Skip to main content

فصل في أنواع الدلالة الوضعية

https://www.facebook.com/dar.alghazali
بسم الله الرحمن الرحيم
[1]قال المصنف والشارح رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين، آمين :
ثُمَّ هذه الدلالة ثلاثة أقسام: مطابقية، وتضمنية، والتزامية. فالأولى: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له؛ كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق.
والثانية: دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه؛ كدلالته على الحيوان أو الناطق في ضمن الحيوان الناطق.
والثالثة دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له؛ كدلالته على قبول العلم، وصنعة الكتابة على ما فيه، وهذا معنى قوله: ((دلالة اللفظ ...)) البيتين.
وسُمِّيت الأولى دلالة المطابقة لمطابقة الفهم للوضع اللغويّ؛ لأنَّ الواضع وضع اللفظ ليدلَّ على المعنى بتمامه، وقد فهمناه منه بتمامه.
والثانية دلالة تضمّن؛ لأنَّ الجزء في ضمن الكل.
والثالثة دلالة الإلتزام؛ لأنَّ المفهوم خارج عن المعنى لازم له.
وقولُهُ: ((إن بعقل التزم)). أشار به إلى أنَّ اللازم لابدَّ أن يكون لازمًا في الذهن. سواءٌ لازم مع ذلك في الخارج؛ كلزوم الزوجية للأربعة، أم لا؛ كلزوم البصر للعمى.
وأمَّا إذا كان لازمًا في الخارج فقط؛ كسواد الغراب، فلا يُسمَّى فهمُهُ من اللفظ دلالة التزام عند المناطقة، وإن سُمِّي بذلك عند الأصوليين، فالباء في قولِهِ: ((بعقل)) بمعنى: في.
والمراد بالعقل: الذهن، أى: القوة المدركة.
ثُمَّ إنَّ كلًّا من دلالة التضمُّن والإلتزام، يستلزم دلالة المطابقة، وهي لا تستلزمهما، كما إذا كان المعنى بسيطا ولا لازم له.
ودلالة التضمّن قد تجتمع مع دلالة الإلتزام، فيما إذا كان: المعنى مركّبا، وله لازم ذهني.
وتنفرد دلالة التضمن فيما إذا كان: المعنى مركّبا، ولا لازم له ذهني.
وتنفرد دلالة الإلتزام فيما إذا كان: المعنى بسيطا؛ كالنقطة، وله لازم ذهني، والله أعلم.
***



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين. أمّا بعد:
فذكرنا في ما مضى أنَّ الدلالة: فهم أمر من أمر، وتكلَّمنا على هذا التعريف وأنَّهَا تفتقرُ إلى دالٍّ ومدلول. ثُمَّ قسَّمنَا هذه الدلالة باعتبار الدَّال إلى: دلالة لفظية، وغير لفظية. ثُمَّ تكلَّمنَا عن سببِ الدَّلَالة أى: سبب الربط بين الدال والمدلول، وذكرنا أنّ الأسباب ثلاثة: إمَّا وضع، أو طبع، أو عقل. فصارت الأقسام ستّة: دلالة لفظية وضعية، ودلالة لفظية طبيعية، وعقليّة، ودلالة غير لفظية وضعية، وطبيعيّة، وعقلية.
ثُمَّ ذكرنا أنَّ المختار عند المناطقة والمعتبر من هذه الدّلَالَات هو الدّلَالَة اللفظية الوضعية، وبيَّنَّا علَّةَ ذلك. بعد ذلك شرع الشيخ رحمه الله في تقسيم الدلالة المختار وهي الدلالة اللفظية الوضعية.
قال المصنِّف رحمه الله: ((*دلالة اللفظ)) أى: الوضعية ((*على ما وافقه *يدعونها دلالة المطابقة))، وهذه أوّلُ قسمٍ للدّلالةِ وهي دلالة مطابقية.
((*وجزئه))، وجزئه عطف على ((*ما)).
((*تضمّنا وما لزم)) أى: دلالة اللفظ على جزئه تُسمَّى: تضمُّنًا، ودلالة اللفظ على ما لزم تُسمَّى: التزام.
اللفظ الدال له معنى قد وُضِع له، فهذا اللفظ إن أطلقه المتكلِّم وأراد به معناه بتمامه؛ كلفظ إنسان له معنى هو الحيوان الناطق إن أطلقه المتكلِّم –أطلق لفظ إنسان- وأراد به تمام معناه –أراد به الحيوان الناطق-؛ كأن يقول: رأيت إنسانا أى: رأيت حيوانًا ناطقًا، فهذه تُسمَّى دلالة المطابقة؛ لأنَّ اللفظَ قد دلَّ على معناه بتمامِهِ، وهذا المعنى هو الذي وُضِع له اللفظ. فاتَّحَدَ هنا ما دلَّ عليه اللفظ وما وُضِع له اللفظ.
هذا اللفظ وهو إنسان وُضِع للحيوان الناطق، إذن ما معنى في الوضع؟ الحيوان الناطق، والمتكلِّمُ عندما أطلقه أراد به معنى هو الحيوان الناطق، فاتّحد المعنى الذي أراده المتكلِّم مع المعنى الذي وُضِع له اللفظ أى: طابَقَهُ، فلذلك سُمِّيت دلالة المطابقة؛ لأنَّهُ قد طابق المعنى الذي دُلَّ عليه بلفظ المعنى الذي وُضِع له اللفظ.
هذا معنى قول المصنِّف: ((*دلالة اللفظ على ما)) أى: على معنى؛ لأنَّ اللفظ يدلُّ على معنى ((*وافقه)).
الضمير في ((*وافقه)) يرجع إلى اللفظ، ((*دلالة اللفظ على ما وافقه)) أى: على معنى وافق هذا المعنى اللفظ.
كيف يوافق المعنى اللفظ؟ قلنا: يوافقُهُ بأن يُوافِقَ معناه الذي وُضِع له. المعنى واحد، معنى الإنسان واحد وهو الحيوان الناطق لكنَّهُ يختلفُ بالإعتبار؛ فمرَّةً نعتبرُهُ موضوعًا ومرَّةً نعتبرُهُ مُرَادًا، والمعنى واحد. فالمطابقة هنا ليست بين شيئين مختلفين بالذات وإنَّمَا هي بين شيئين مختلفين بالإعتبار.
هذا معنى قولِهِ: ((*دلالة اللفظ على ما)) أى: على معنى ((*وافقه)) هذا المعنى اللفظ. كيف يوافق اللفظ؟، المعنى شيءٌ واللفظ شيءٌ، كيف يوافق اللفظ؟. قلنا: يُوافِق معناه الوضعي.
***
v       س: موافقة المعنى للفظ، يعني: جامعا مانعا؟
v       ج: الجامع والمانع يُقَال في التعريف لا في الموافقة. أتقصد موافقته بأن يكون جامعا مانعا؟، هذا لا يمكن أن يُوصَف في الدلالة، لا يمكن أن يُوصَف بالجمع والمنع، والذي يُوصَف بالجمع والمنع هو التعريف. لكن أن تقول: اللفظ جمع أم منع، جمع معناه ومنع غيره؟.
v       قلنا: الذي يُوافِق في عبارة الشيخ المصنِّف هو المعنى، الموصوف بالموافقة هو المعنى لا اللّفظ. اللَّفظُ دلَّ على معنى، ما هو هذا المعنى؟. الشيخ قال: المعنى الذي وَافَقَ اللفظ.
v       قلنا له: كيف يُوافِق اللفظ؟، إذن لابدَّ من تقدير مضاف، لابدَّ من تقدير محذوف هو [وافق معنى اللفظ].
v       دلالة اللفظ على معنى وافق هذا المعنى معنى اللفظ. كيف وافق المعنى المعنى؟ قلنا: المعنى واحد إلَّا أنَّهُ يختلفُ بالإعتبار فتارةً يكون موضوعًا وُضِع له اللفظ، وتارةً يكون مدلولًا والمعنى واحد. فهذا المعنى المدلول –الذي دُلَّ عليه اللفظ- وافق المعنى الذي وُضِع له اللفظ؛ كما هنا إنسان وضعه الواضع للحيوان الناطق، إذن هذا المعنى يُوصَف بأنَّهُ موضوع له، وعندما أطلقه المتكلِّمُ –أطلق لفظ إنسان- أراد به الحيوان الناطق. إذن المعنى الذي هو الحيوان الناطق يَتَّصِفُ هنا بأنَّهُ مدلولٌ للفظ، هذا المدلول للَّفظ –الذي دُلَّ عليه باللفظ- وافق المعنى الذي وُضِع له اللفظ بأن يكونَ هو هو.
v       س: إذا كان اللفظ وُضِع للمعاني بالحقيقة والمجاز، هل هذا مطابق؟
v       ج: الإعتبار للمعنى الحقيقي. أمّا إذا كان وضعا حقيقيا لجميع المعاني والمشترك، فإذا أطلقه المتكلِّم وأراد به معنى من هذه المعاني كانت دلالته مطابقية؛ كلفظ عين مثلا أطلقه المتكلِّم وأراد به الشمس كان معنى أو كانت دلالة مطابقية، أطلق نفس اللفظ وأراد به عين الماء كانت دلالة مطابقية؛ لأنَّ المعنى الذي أراده وافق المعنى الذي وُضِع له اللفظ، غاية ما في الأمر أنَّ المعنى الذي وُضِع له اللفظ مُتعدِّد، فإذا وافقت إرادة المتكلِّم أو مراده معنى من المعاني التي وُضِع لها اللفظ وضعًا حقيقيًّا كانت دلالة مطابقيّة. هذا التفصيل يأتي في المطوَّلات.
v       س: قلت: لابد من تقدير (معنى)، لماذا؟
ج: لأنَّ المعنى كيف يُوافِق اللفظ؟، كيف تعرِفُ أنَّ الحيوان الناطق قد وافق اللفظ؟، ما معنى وافقه ومُسمَّوها دلالة مطابقية؟، فكيف يُطابِق المعنى اللفظ أو يوافقه؟. لكن إذا قلت: طابق المعنى الذي دُلَّ عليه باللفظ المعنى الذي وُضِع له اللفظ، كان مستقيما.
فلابدَّ من تقدير مضافٍ ((*وافقه)) أى: وافق معنى اللفظ لكن الضمير هنا –في البيت- يرجع إلى اللفظ. المعنى الأوّل الذي وُضِع له اللفظ والثاني الذي أُريدَ باللفظ، والمعنى واحد بالذات والإختلاف بالإعتبار، فالحيوان الناطق مرّة نعتبره موضوعا للّفظ ومرّة مقصودا ومرادا من اللفظ.
***
قال الشارح رحمه الله: ((ثُمَّ هذه الدّلالة ثلاثة أقسام: مطابقيّة، وتضمّنيّة، والتزاميّة)).
قال: ((فالأولى: دلالة اللفظ على تمام ما)) أى: على تمام معنى ((وُضِع له)) أى: لهذه المعنى اللفظُ.
قال: دلالة المطابقية هي: ((دلالة اللفظ على تمام ما)) أى: معنى؛ لأنَّ اللَّفظ لا يدلّ إلَّا على معنى ((وُضِع)) اللفظ ((له)) أى: لهذا المعنى.
هل هناك فرق كبير بين كلام الشارح والمصنِّف؟ لا، ليس هناك فرق إلَّا بزيادة كلمة تمام.
قال: ((فالأولى)) وهي دلالة مطابقية ((دلالة اللفظ على تمام ما وُضِع له؛ كدلالة الإنسان)) أى: لفظ إنسان؛ لأنّ الكلام في الدلالة اللفظية الوضعيّة. ((على مجموع الحيوان الناطق)) أى: على المعنى بتمامه.
هذا ما يُفِيده قولُهُ: ((تمامُ ما وُضِع له)) أى: على المعنى التامّ دون الزيادة ودون النقص. (زيد) لفظ له معنى تامّ هو الشخص. فإذا قلت: رأيت زيدا، وقصدت هذا الشخص تكون دلالة مطابقية. لماذا؟ لأنَّ المعنى الذي أردتَهُ هو المعنى الذي وُضِع له اللفظ بتمامِهِ.
الدلالة الثانية هي دلالةُ تضمُّنٍ، وهي دلالة اللفظ على جزء معناه؛ كأن تقصدَ بإنسان: الحيوان فقط أو الناطق فقط. لاشكَّ أنَّ مفهومَ إنسان هو الحيوان الناطق، فالحيوان فقط جزء المفهوم والناطق فقط جزءه. فإذا أردت بإنسان الحيوان كانت دلالة تضمُّنيّة. كيف هذا؟.
مثلا سأل سائل وقال: ما هذا الشبح البعيد أى: الجسم الأسود، هل هو شجرة أم حيوان؟. المفروض نجيب بشجرة أو حيوان، لكن أجبت وقلت: هو الإنسان. ماذا أردت بإنسان؟، هل أردت الحيوان الناطق؟ لا؛ لأنَّهُ لم يسأل عن الإنسان، لم يقل: هل هذا الشبح شجرة أم إنسان ولكنَّهُ قال: هل هو شجرة أم حيوان. فأنت قلت: إنسان وأردت به الإجابة الثانية أنَّهُ حيوان. إذن قصدت باللفظ جزءُ معناه وهو الحيوان، فهذه تُسمَّى عندهم دلالة تضمُّنية.
لماذا نُسِبت إلى تضمُّن؟ لأنّ الجزء في ضمن الكلّ، (الحيوان) هذا جزء، و(الحيوان الناطق) هذا كلٌّ ومجموعٌ وهذا الجزء في ضمنه –الكلّ-. هذا معنى قول الشيخ المصنِّف: ((*وجزئه)) أى: دلالة اللفظ على جزءه يدعونها دلالة ((*تضمُّنا)) أى: يُسَمُّونَهَا بدلالة التضمُّن.
(()) دلالة اللفظ على ((*جزءه)) أى: على جزء ((*ما وافقه)) أى: على جزء معنى وافق هذا المعنى معنى اللفظ. أو ((*جزءه))، الضمير يرجع إلى اللفظ بتأويل بأن نقول: دلالة اللفظ على جزء اللفظ، على حذف مضاف أى: على جزء معناه يدعونها دلالة تضمُّن.
هذا بالنسبة للبيت، أمَّا الشرح قال: ((والثانية: دلالتُهُ)) أى: دلالة اللفظ ((على جزء المعنى)) أى: المعنى الذي وُضِع له اللفظ أو تمام ما وُضِع له اللفظ، حالة كون هذا الجزء؛ كالحيوان ((في ضمنه)) أى: في ضمن تمام ما وُضِع له أو في ضمن المعنى الذي وُضِع له اللفظ أى: في ضمن هذا الكلّ، وليس خارجا وليس تماما.
((كدلالته على الحيوان)) فقط ((أو الناطق)) فقط، حالة كون الحيوان أو الناطق ((في ضمن الحيوان الناطق))؛ لأنَّ الحيوان الناطق قد اشتمل على الحيوان واشتمل على الناطق.
***
v       س: ما الفرق بين الوضع والإستعمال؟
v       ج: الوضع عَرَّفناه في المرَّةِ الفائتة وهو جعل اللفظ بإزاء معنى أو جعل شيء بإزاء شيء آخر الخ، أمَّا الإستعمال هو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى؛ فإذا جاء إنسان وقال: وضعت لفظ إنسان بإزاء الحيوان الناطق أو وضعت لفظ إنسان بإزاء قلم، هذا وضع؛ لأنَّهُ جعل لفظ بإزاء معنى هو القلم. إذا أطلقنا لفظ إنسان وأردنا به القلم، هذا استعمال؛ لأنَّنَا قد أطلقنا وأردنا القلم. فالوضع يختلفُ عن الإستعمال، فالوضع متقدِّم والإستعمال متأخِّر.
v       س: هل نستطيع أن نقول: الوضع أى: بالحقيقة، والإستعمال يُسمَّى بالمجاز؟
v       ج: لا، الإستعمال إمّا أن يكون على الوضع وعلى خلافه. كان على الوضع يكون حقيقة، وإن كان على خلاف الوضع يكون مجازا. فالتقسيم إلى حقيقة ومجاز لا يكون إلَّا في اللفظ المستعمل لا اللفظ الموضوع. فاللفظ الموضوع الذي لم يُستعمَل لا حقيقة ولا مجاز، كما سيأتي إن شاء الله في البلاغة، الحقيقة والمجاز يتعلَّق بالإستعمال لا بالوضع.
v       س: هل لفظ (معنى) هنا بمعنى تعريف؟
v       ج: لا، سيأتي إن شاء الله في القول الشارح أنَّ التعريف هو اللفظ الدال على معنى الشيء وماهيته. فالإنسان ماهيته ومعناه: الحيوان الناطق. أمَّا قولك: الإنسان حيوان ناطق، هذا تعريف فهذا لفظ دلّ على معنى. فرِّق بين الحيوان الناطق في الخارج وبين لفظ الحيوان والناطق، فالحيوان الناطق هنا في كلامنا دالٌّ على معنى وعلى ماهية الإنسان. يعني: الحيوان الناطق هنا في كلامنا ليس معنى الإنسان، عندما تقول: الإنسان معناه الحيوان الناطق الذي أتلفَّظ به، لا، هذا ليس معنى إنسان، فما الإنسان؟ مدلول الحيوان الناطق في الخارج. فإذا قلت: الإنسان معناه الحيوان الناطق أى: مدلول الحيوان الناطق، أمّا الحيوان الناطق لفظ ليس معنى للإنسان.
***
قال: ((والثالثة: دلالته على أمر خارج عن المعنى لازم له)).
انتبه بالقيود، قلنا: دلالة اللفظ على تمام ما وُضِع له أى: على مجموع معناه، ثُمَّ قلنا: دلالته على جزءه، ما الذي بقي؟.
التمام أخذناه في المطابقية، والجزء أخذناه في التضمُّنية، ما الذي بقي؟ هو الخارج الذي ليس تمام وليس جزءا، فالدلالة الإلتزاميّة تكون دلالة على معنى خارجٍ عن المعنى الذي وُضِع له اللفظ. لكن هل كلُّ خارجٍ يدلُّ عليه اللفظ التزاما؟ لا، بل لابدَّ وأن يكون لازما بالمعنى الذي وُضِع له اللفظ.
هذا لفظ (إنسان) ومعناه: الحيوان الناطق، وهناك معان كثيرة خرجت عن هذا المعنى؛ كالحجر، والشجر، والقلم، والكتاب، هذه كلُّهَا أمورٌ خرجت عن هذا المعنى أى: ليست تماما له وليست جزءه، كلٌّ منها ماهية ومعنى مختلِف عن هذا المعنى. هل إذا دلّ لفظ على أيّ معنى من هذه المعاني كانت دلالة التزامية؟.
قلنا: لا؛ لأنَّ هذه المعاني بعضُها لازم وبعضها ليس بلازم. ما معنى هذا الكلام، ما معنى بعضها لازم؟.
التلازم هو عدم الإنفكاك، شيء لازَم شيئًا آخر أى: لم ينفك عنه. فمعنى قولنا: بعض هذه المعاني لازم أى: لازم هذا المعنى ولم ينفك عنه. ولاشكَّ أنَّ ما خرج عن المعنى الذي وُضِع له اللفظ لا يُشترَط أو لا يجِبُ أن يكون لازمًا بل بعضُهُ لازم وبعضه غير لازم.
مثلا: الحيوان الناطق يلزمه معنى هو قابل العلم، أو العالِم بالقوّة. هذا معنى يُلازِم الحيوان الناطق، لكن الحجر معنى خرج عن الحيوان الناطق أم لا كخروج قابل العلم أو كخروج العالم؟ نعم، خرج عنه. لكن هل يُلازِم الحيوانَ الناطق؟، هل بينهما اتِّصَال وعدم انفكاك؟ لا. لكن العالِم بينه وبين الحيوان الناطق تَلَازم واتِّصال وعدم انفكاك.
الخشب، الورق، كل هذه معان خرجت عن معنى الذي وُضِع له اللفظ ولم تُلازِمه أى: لم تلازم المعنى. لذلك قال: ((والثالثة)) أى: دلالة التزام: ((دلالتُهُ)) أى: دلالة اللفظ ((على أمرٍ)) أى: على معنى ((خارجٍ عن المعنى)). المراد بالمعنى هنا: خارج عن المعنى الذي وُضِع له اللفظ أى: عن معنى الذي وُضِع له اللفظ. فـ(أل) هنا للعهد، والمعهود هو تمام ما وضع له.
((دلالته على أمر)) أى: على معنى، وهذا المعنى موصوف بأنَّهُ ليس تمامًا وليس جزءًا بل خارج عن التمام والجزء، ((خارج عن المعنى)) أى: الذي وُضِع له اللفظ. فقط؟ لا، بل لابدَّ من قيد وهو ((لازمٍ)). فـ((لَازِم)) صفة لـ((أمر)) أى: دلالتُهُ على أمرٍ لازمٍ ((له)) أى: للمعنى.
فهنا لازم وملزوم، مثلا: كقابل العلم، هذا معنى وليس داخلا في هذا المعنى (الحيوان الناطق) وليس تمامًا لهُ؛ لأنَّ الحيوان الناطق ماهيةٌ ومفهومٌ وقابلُ العلم ماهيةٌ أخرى ومفهومٌ آخر، إلَّا أنّ هذا (قابل العلم) لازِمٌ وهذا (الحيوان الناطق) ملزوم أى: يُنتقَل من هذا المعنى إلى هذا المعنى؛ لأنَّ بينهما اتِّصَال وارتباط وعدم انفكاك.
فإذن دلَّ لفظ (إنسان) على أمرٍ خارجٍ أى: على معنى، هذا المعنى خارجٌ عن المعنى أى: الذي وُضِع له اللفظ، لازِمٌ له أى: غيرُ منفكٍّ عنه.
((والثالثة: دلالتُهُ على أمرٍ خارجٍ عن المعنى لازمٍ له)) أى: هذا الأمر لازم لهذا المعنى.
قال: ((كدلالته)) أى: كدلالة الإنسان في القسم الأوَّلِ دلالة المطابقية؛ لأنَّهُ قال: ((كدلالة الإنسان))، وفي القسم الثاني قال: ((كدلالته)) أى: الإنسان، وفي الثالث قال: ((كدلالته)) أى: الإنسان الذي ذُكِر في القسم الأوّل.
((كدلالته على قبول العلم))، بأن تطلق لفظ (إنسان) وتُرِيد العالِم. أقول: رأيت إنسانا، ما معنى إنسان؟ الحيوان الناطق، لكن لا كما أردت ذلك، أنت أردت عالِما وأطلقت عليه إنسان؛ كأنَّكَ تقول: هذا الذي يستحقُّ أن يكونَ إنسانًا وغيره لا يستحقّ، فلذلك قلت: رأيت إنسانا.
كما يطلقون هذه الكلمة على كامل الأخلاق، قلت: هذا إنسان. نقول: معروف أنَّهُ إنسان أى: حيوان ناطق. لا، قصد هنا هذا صاحب أخلاق رفيعة، فكأنَّهُ هو الإنسان وغيره ليس بإنسان. فأنت قلت: رأيت إنسانًا وأردت عالِمًا، إذن ما معنى الإنسان في هذا الكلام الذي أطلقه المتكلِّم؟ العالم، وهل العالم هو هو الحيوان الناطق؟ لا، وهل جزءه؟ لا، إذن هو خارج. هل خارجٌ مُلازِم بهذا المعنى –الحيوان الناطق-؟ نعم، لا ينفكُّ عنه.
قال: ((وصنعة الكتابة)) أى: حرفة الكتابة، فالصنعة هي الحِرفة. كدلالته أى: الإنسان على صنعة الكتابة أىك كدلالة الإنسان على قبولِ صنعةِ الكتابةِ، فصنعة الكتابة معطوف على العلم لا على قبول أى: كدلالة الإنسان على قبول صنعة الكتابة أى: الكاتب بالقوّة. كما إذا أطلقت لفظ (إنسان) وأردت به الكاتب، فهذه دلالة على معنى خرج عن المعنى الذي وُضِع له اللفظ، ومع ذلك هو مُلازِمٌ لهذا المعنى أى: الذي وُضِع له اللفظ.
***
v       س: كيف نُفرِّف اللازم والملزوم؟
ج: هذا له كلام طويل، لكن يُمكِن أن تقول: الملزوم هو السابق واللازم هو المتأخِّر، الملزوم هو المُقتضِي واللازم هو المقتضَى، الملزوم هو الطالب واللازم هو المطلوب.
v       س: هل يُوجَد علاقة بين هذا وبين الكناية؟
ج: نعم، الكناية والمجاز كلٌّ منهما يكون دلالة اللفظ على لازم معناه. لكن الكناية والمجاز يتحقَّقَان أيضًا في دلالة اللفظ على جزء المعنى؛ لأنَّ جزءَ المعنى مُلازِم للمعنى أى: غير منفكٍّ عنه. فلذلك قولُهُ: ((الكناية: لفظ دل على لازِم معناه))، اللازم هنا يصدق على اللازم الذي ذكرناه وعلى الجزء أيضا، وكذلك في المجاز. فالإجابة التي أجاب بها المجيب وهي إنسان لَمَّا أجاب على السائل الذي قال: هل هذا شبح حيوان أم شجر، فقال: إنسان، أطلق لفظ (إنسان) وأراد الحيوان، هذا مجاز.
v       س: هل يمكن أن نقول: دلالة التزامية هي صفة لازمة للمعنى؟
v       ج: (الحيوان الناطق) هذا معنى، ما الصفة المُلازِمة له؟ قابلية العلم. هل قلنا: الدلالة هي أمر بين اللفظ (الحيوان الناطق) وهذا المعنى (قابل العلم) أم هي هذا المعنى (قابل العلم)؟ أمر بين اللفظ الذي هو انسان ومعنى قابل العلم، فلا يمكن أن تقول على قابل العلم هو الدلالة، بل هو أمرٌ تعلَّقَتْ به الدلالة.
v       فالدلالة ليست نفس الوصف التي لازَم المعنى، وإنَّما هي فهم هذا المعنى (قابل العلم) من هذا اللفظ (الإنسان).
v       س: هل ((لازم)) يمكن أن تكون صفة لـ((خارج))؟
ج: يمكن، يعني أن تجعلها صفة لصفة، لماذا لا نجعلها صفة لموصوف فيكون ((أمر)) قد اتَّصَفَ بوصفين؛ بالخروج وباللازم. كلامك جائز، لكن بعد مراعاة كونِهِ خارجًا.
***
قال: ((والثالثة دلالتُهُ على أمرٍ خارجٍ عن المعنى لازمٍ له؛ كدلالته على قبول العلم وصنعة الكتابة على ما فيه)).
فعندهم هذا ((على ما فيه))، هذا الإيراد من الشيخ وطعن في هذا الكلام.
قال: ((وهذا معنى قولِهِ: *دلالة اللفظ ...البيتين)). نأتي للبيت.
قال الشيخ: ((*وما لزم)). و((*ما)) معطوفة على ((*ما)) الأولى في البيت الأوّل أى: دلالة اللفظ على ما لزم.
دلالة اللفظ على ((*ما)) أى: على معنى أو أمر كما قال الشارح ((*لزم)). الضمير في ((*لزم)) يرجع إلى المعنى؛ لزم هذا المعنى المعنى الذي وُضِع له اللفظُ، والذي يُفهَم من كونه لازِم أنَّهُ خارِج. ((*لزم)) أى: لم ينفك.
فقولُهُ: ((*لزم)) أى: معنى، أى: على معنى خارجٍ عن معناه مُلازِمٍ له.
قال: ((*فهو التزامٌ))، أى: فهي دلالة الإلتزام، وذكر باعتبار الخبر؛ لأنَّ التزام مُذكَّر.
ثُمَّ قال: ((*إن بعقلٍ التزم)) أى: إن في عقل كان هذا التزام، هذا سيأتي إن شاء الله تعالى. إذن انتهينا إلى قولِهِ: ((*فهو التزام)).
***
v       س: قولُهُ: ((*وما لزم)) أى: دلالة اللفظ على معنى لزم هذا المعنى المعنى الذي وُضِع له اللفظُ. قلتَ منذ قليل الذي يلزم المعنى أمران: الجزء، والخارج. فقولُهُ: ((*ما لزم)) يشمل الخارج والجزء، فيندرج في قولِهِ: دلالة اللفظ على ((*ما لزم)) الدلالة التضمنية والإلتزامية.
v       ج: نقول: مقابلتُهُ –مقابلة هذا الكلام أو هذا القسم- بالدلالة على الجزء تخرج الجزء. صحيح، اللازم يشمل الجزء ويشمل الخارج، لكن عندما يقول: دلالة اللفظ على تمام وعلى جزءه وعلى لازمه هل نفهم أنّ اللازم يدخل فيه الجزء؟ لا، كيف وقد قابله في الجزء أى: جعله مقابلا له وضدا له؟.
v       فقولُهُ: ((*وجزءه)) ثُمَّ قال: ((*وما لزم))، نفهم أنَّهُ لا يقصد باللازم هنا إلَّا الخارج، لا الجزء؛ لأنَّهُ لو قصد به الجزء لَمَا قابله، لقال: دلالة اللفظ على ما وافقه يدعونها دلالة المطابقة وعلى ما لزم ثُمَّ يقول: يدعونها تضمّنية والتزاميّة، لكنَّهُ ما قال ذلك.
***
قال: ((وسُمِّيت الأولى: دلالة المطابقة؛ لِمُطَابَقَةِ الفهمِ للوضع اللغويّ)).
الشيخ قال: ((لمطابقة))، فنسبت مطابقية للمطابقة. مطابقة لأيِّ شيءٍ؟ قال: ((لمطابقة الفهم للوضع اللغوي)). ما الفهم؟ هو انتقال الذهن من اللفظ إلى المعنى. وما الوضع؟ هو تعيين وجعل اللفظ للمعنى، هل الفهم هنا طابق الوضع؟ لا يمكن أن نُوصِفَ الفهم بأنَّهُ طابق الوضع، هذا شيء وهذا شيء.
فقولُهُ: ((لمطابقة الفهم)) أى: المفهوم، الفهم مصدر بمعنى اسم مفعول. ((لمطابق الفهم)) أى: المفهوم من اللفظ. وقولُهُ: ((للوضع اللغوي)) أى: للموضوع، فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، أى: للموضوع له في اللغة. وقيد في اللغة هنا رُبَّما يُخِل، لكن لعلَّهُ أتى به؛ لأنَّه أصل والأصل هو الأوضاع اللغوية.
((لمطابقة الفهم)) أى: المفهوم؛ لأنِّي عندما قلت: إنسان، فهم المستمع معنى الحيوان الناطق، ولاشكَّ أنَّ الحيوان الناطق هذا هو الذي وُضِع له اللفظ، فطابق المفهوم أى: المعنى الذي أراده المتكلِّم المعنى الذي وُضِع له اللفظ.
**
هناك ثلاثة أمور:
-       الموضوع له،
-       المعنى أو المراد والمقصود،
-       المفهوم.
(إنسان)، ما المعنى الذي وُضِع له اللفظ؟. (إنسان)، ما الموضوع له؟ الحيوان الناطق. في إطلاقي هذا (انسان) ما معناه؟ الحيوان الناطق. عندما أُطلِق (إنسان) وأنت قد فهمت الحيوان الناطق إذن ما المفهوم؟ الحيوان الناطق. فهي أمور ثلاثة لشيء واحد؛ فالمعنى الذي وُضِع له اللفظ، والمعنى الذي أُرِيدَ أو قُصِد للَّفظ وعُنِي وهو المعنى الذي فُهِم من اللفظ.
-       الموضوع له يتعلَّقُ بالواضع، من الذي يُحصِّل للمعنى صفة الموضوع؟ هو الواضع.
-       والمعنى يتعلَّقُ بالمتكلِّم، من الذي يعني ويقصد للَّفظ؟، المتكلِّم أم الواضع أم السامع؟ المتكلِّم.
-       والمفهوم يتعلَّقُ بالسامع.
فالمعنى إذا نسبناه بالواضع، نفس المعنى إذا نسبناه بالواضع سُمِّي موضوعا له، وإذا نسبناه بالمتكلِّم كان معنى ومقصودا ومرادا ترجع إلى المتكلِّم، وأمَّا هذا المعنى إذا نسبناه للسامع كان مفهوما؛ لأنَّ الفهم لا يتعلَّقُ بالمُتكلِّم وإنَّما يتعلَّقُ بالسامع.
فإذا قلت: طابق المعنى الذي أراده المتكلِّم ما وُضِع له اللفظ كان صحيحا، وإذا قلت: طابق المفهوم المعنى الذي وُضِع له اللفظ كان صحيحا. نقول هذا أو ذاك، لماذا؟ لأنَّ المفهوم الذي فهِمَهُ السامع فرعُ المعنى الذي أراده المتكلِّم، المهمّ أن يكونَ المطابَق هو المعنى الذي وُضِع له اللَّفظ، أمّا المطابِق فتكون المعنى الذي أراده المُتكلِّم أو المفهوم الذي فهمه السامع، هذا ليس مشكلة.
الشيخ في أوَّلِ الكلام تَعَرَّضَ للمعنى وفي آخره تعرَّضَ للمفهوم؛ في الأوَّل قال: ((دلالة اللفظ على تمام ما وضع له)) أى: على تمام معنى، ويمكن أن نجعلها أيضا بمفهوم. وفي آخر الكلام قال: ((وسُمِّيَت الأولى: دلالة المطابقة؛ لِمُطَابق الفهم)) أى: المفهوم.
فهل هو المفهوم الذي يُطابِق ما وُضع له أم المعنى الذي يُطابِق؟ كلاهما، هذا أو ذلك؛ لأنَّ كُلًّا منها فرعٌ للموضوع له والمفهوم فرع للمعنى. ما يتعلَّق بالواضع وضع، وما يتعلّق بالمتكلِّم استعمال.
***
v       س: كيف فرع؟
v       ج: هل يمكن يكون الحيوان الناطق مفهوما للَّفظ إلَّا إذا يتكلَّم به متكلِّم؟. لفظ إنسان لم يتكلَّم به متكلِّم، هل معناه يكون مفهوما للسامع؟ لا. ما تكلَّمَ به مُتكلِّم إذن لا يتحقَّقُ السامع. هل يمكن أن يُتكلَّم بلفظ ولم يُوضَع؟ لا يمكن. فالتَّكَلُّم فرعُ الوضع والفهم فرعُ التكلُّم والوضع.
***
لاتمام الموضوع ولمزيد الفائدة اضغط موقع الشيخ في اليوتوب أو الفيس بوك...


[1]  الدرس الخامس من شرح الشيخ حسام بن رمضان بن حافظ على شرح الشيخ الدمنهوري على السلم المنورق في علم المنطق.

Comments

Popular posts from this blog

فصل في مباحث الألفاظ

https://www.facebook.com/dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنِّف والشارح رحمهما الله ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين، آمين: فصل في مباحث الألفاظ ثم قال: مستعمل الألفاظ حيث يوجد * إمَّـــــا مركَّب وإمَّـــــا مفـرد فأوَّلٌ مـــا دلَّ جـــزؤه علـــى * جـزء معــناه بعــكس ما تـلا وهو على قسمين أعني المفردا * كلِّـيٌّ أو جزئـيٌّ حيث وجــدا فمــفـهــم اشــتـراك الكــلِّـيُّ * كـأســد وعكــسـه الجــزئـيُّ أقول: اللفظ إمَّا أن يكون مهملا؛ كديز، أو مستعملا؛ كزيد، ولا عبرة بالمهمل ولذلك أهمله المصنِّف. ثُمَّ المستعمل إمَّا أن يكون مفردًا، وإمَّا أن يكون مركَّبا. فالأوَّل: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه؛ كزيد. والثاني ما دل جزؤه على جزء معناه؛ كزيد قائم. والكلام على المركَّب بقسميه –أعني ما هو في قوَّة المفرد، وما كان محضا- يأتي في المعرِّفات، والقضايا، والأقيسة. والمقصود هنا المفرد، وهو قسمان: 1)       جزئي: إن منع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛ ك...

فصل في أنواع العلم الحادث

source: https://www.facebook.com/Dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنِّف والشارح رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين آمين: إدراك مـفــــرد تـــصــــــوّر عـــلـمْ * ودرك نـســـبـة بـتـــصـديـق وســـمْ وقـــدّم الأوّل عـــنـــــد الـــوضـــعِ * لأنّـــه مــــقــــــدَّم بـــالـــطبــــــعِ والنـــظري مـــا احتـــاج للتـــأمّــــلِ * وعـكــسـه هـو الـضــروري الـجــلـِي ومـــا بـــه إلـــى تــصــــوّر وصــــلْ * يـدعــى بـقــول شـارح فـلــتـبــتـهـلْ ومـــا لـتــصـــديــق بــه تــوصـــــلا * بـحــجّــة يـعــرف عـنــد الـعــقــــلا أقول : لفظ (( *أنواع )) يخرج العلم القديم، فإنّه لا تنوّع فيه، فإتيانه بالحادث بعد ذلك تأكيدٌ وإيضاح للمبتدئ. و (( *العلم )) : معرفة المعلوم، ثمّ إنّه ينقسمُ إلى تصوّر، وإلى تصديق، وكل منهما إلى ضروري، وإلى نظريّ، فالأقسام أربعة. فإن كان إدراك معنى مفرد، فهو تصور: كإدراك معنى زيد. وإن كان إدراك وقوع نسبة، فهو تصديق:...

انقسام العلم إلى الضروري والنظري

source: https://www.facebook.com/Dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنِّف رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه وعلوم شيخنا في الدارين آمين: إدراك مـفــــرد تـــصــــــوّر عـــلـمْ * ودرك نـســـبـة بـتـــصـديـق وســـمْ وقـــدّم الأوّل عـــنـــــد الـــوضـــعِ * لأنّـــه مــــقــــــدَّم بـــالـــطبــــــعِ والنـــظري مـــا احتـــاج للتـــأمّــــلِ * وعـكــسـه هـو الـضــروري الـجــلـِي ومـــا بـــه إلـــى تــصــــوّر وصــــلْ * يـدعــى بـقــول شـارح فـلــتـبــتـهـلْ ومـــا لـتــصـــديــق بــه تــوصـــــلا * بـحــجّــة يـعــرف عـنــد الـعــقــــلا *** بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين. أمَّا بعد: ذكرنا في المرَّة الماضية أنَّ العلم عند المناطقة يُعرَّف بالإدراك المطلق، وهو يشمل العلم المشهور الذي هو التصديق الجازم وهو العلم عند المتكلِّمين والأصوليِّ...