[1]قال المصنِّف والشارح رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما
وعلوم شيخنا في الدارين، آمين:
مسـتعمل الألفاظ حيث يوجد
|
*
|
إمَّــا مـركَّـب وإمَّـــا مفـرد
|
فــأوَّلٌ مــا دلَّ جــزؤه عـلــى
|
*
|
جزء معـناه بعـكس ما تـلا
|
وهو على قسمين أعني المفردا
|
*
|
كلِّـيٌّ أو جزئيٌّ حيث وجـدا
|
فمـفهــم اشــتـراك الـكـلِّــيُّ
|
*
|
كأسـد وعـكســه الجـزئـيُّ
|
والمقصود هنا
المفرد، وهو قسمان:
1)
جزئي: إن منع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛ كزيد.
2)
وكلي: إن لم يمنع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛
كالأسد، وهو ستَّة أقسام:
1.
كلي لم يوجد من أفراده فرد،
2.
وكلي وُجِد منها فرد،
3.
وكلي وجد منها أفراد، وكل واحد من هذه الثلاثة قسمان:
الأوَّل: وهو الذي
لم يُوجَد من أفراده فرد، إمَّا مع استحالة الوجود؛ كاجتماع الضدين، أو مع جواز
الوجود؛ كبحرٍ من زئبَقَ.
والثاني: وهو الذي
وُجِد من أفراده فرد، إمَّا مع استحالة التعدُّد؛ كالمعبود بحق، أو مع جواز التعدُّد؛
كشمس.
والثالث: وهو ما وُجِد
منه أفراد، إمَّا مع التناهي؛ كإنسان، أو مع عدم التناهي؛ كنعيم أهل الجنَّة، أو
كمال الله تعالى.
فائدة:
اللفظ يُوصَف
بالأفراد والتركيب حقيقة، ووصف المعنى بهما مجازا. والمعنى يُوصَف بالكليَّة
والجزئيَّة حقيقة، ووصف اللفظ بهما مجاز.
فإن قلت: كان الأولى
للمصنِّف أن يُقدَّم المفردَ على المركَّبِ؛ لأنَّه جزؤه، والجزء مقدَّم على الكل
طبعا؟
فالجواب: أن معنى
المركب ثبوتي، ومعنى المفرد عدمي، والإثبات أشرف من النفي فقدَّمه عليه لذلك، وهذا
يُجَاب عن تقديمه الكلي على الجزئي.
وقوله: ((*على
جزء معناه)) بتحريك الزاي بالضمِّ، كما قرأ به شعبة من رواية عاصم.
***
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ
العالمين، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ على سيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم،
وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.
أمَّا بعد:
ذكرنا في المرَّة الفائتة أنَّ اللفظ ينقسم إلى مستعمل ومهمل والمراد بالمستعمل
الموضوع، ثُمَّ ينقسم المستعمل أى: الموضوع إلى مفرد ومركَّب؛ لأنَّه إن دلَّ جزؤه
على جزء معناه دلالة مقصودة؛ كزيد قائم، فهو مركَّب.
وإلَّا فهو
مفرد؛ كواو العطف، فليس لها جزء حتَّى يكون دالًّا، وكزيد فله جزءٌ إلَّا أنَّه لا
يدل، وكعبد الله علما فله جزء وجزؤه يدل إلَّا أنَّه يدلُّ على معنى ليس جزءا
للمعنى الذي وُضِع له اللفظ، وكالحيوان الناطق علما فإنَّ هذا اللفظ –هو الحيوان
الناطق علما- له جزء وجزؤه يدل على معنى ومعنى جزئه جزء من المعنى الذي وُضِع له
اللفظ بتمامه إلَّا أنَّ المتكلِّم لا يقصد ذلك، لا يقصد الدلالة بجزء اللفظ على
جزء المعنى.
وتكلَّمنا على
كل ذلك. وهذا معنى قول المصنِّف رحمه الله:
مستعمل الألفاظ حيث يوجدُ
|
*
|
إمَّــــــا مــركَّـــــب وإمَّـــــا مــفــــــرد
|
فـــــأوَّل مــــــــا دلَّ جــــــزؤه عـــــلــــــــــى
|
*
|
جزء معناه بعكس ما تلا
|
ثُمَّ قال
رحمه الله:
((*وهو))، أى: المفرد ((*على قسمين أعني المفردا))، أى: أعني بضمير
هو، ((*كلي أو جزئي حيث وُجِدا)). فهذا تقسيم للمفرد، وأمَّا المركّب فتركه الشيخ رحمه الله وذكر الشارح
أنَّه سيأتي في المُعرِّفات وفي القضايا والأقيسة.
إذن الكلام في
مبادئ التصوُّرات يختصُّ بالمفردات؛ لأنَّها أمور مفردة، ويبدأ الكلام على
المركَّب من القول الشارح إلى نهاية علم المنطق.
فالمفرد هو
لفظ وهذا اللفظ له معنى، لماذا؟ لأنَّنا نتكلَّم عن اللفظ الموضوع –عن اللفظ
المستعمل- لا المهمل، فلابدَّ وأن يكون له معنى. هذا المعنى وهذه الماهية وهذا
المفهوم، إمَّا أن يقبلَ التحقُّقَ في أفراد بمعنى أنَّ هذا المعنى يتحقَّق في شيءٍ
وفي شيءٍ آخر أى: يُوجَد ويتحقَّق في الخارج أو لا، بأن لا يقبل التحقُّق إلَّا في
فرد واحد.
مثلا: لفظ
زيد، هذا اللفظ له معنى. ما معناه؟ هو الشخص، المعنى هو فرد من أفراد الإنسان مُشخَّص
بمُشخِّصات. هذا المعنى –الذي هو الحيوان الناطق المشخَّص في كذا وكذا وكذا- لابدَّ
لنفرِّق بين هذا الشخص وغيره من أن يكون متَّصِفًا بأوصاف معيَّنة.
هذا المعنى هل
يمكن تحقُّقه في غير زيد؟ لا يمكن، لا يتحقَّق هذا المعنى إلَّا في فرد واحد هو الفرد
المُسمَّى بزيد في الخارج، لا يمكن أن يتحقَّق هذا المعنى في بكر أو في عمرو أو في
خالد أو في أيّ فرد آخر سواءٌ كان من الإنسان أو من غير الإنسان.
بخلاف لفظ إنسان.
زيد لفظ وإنسان لفظ، زيد له معنى وإنسان له معنى. ما معنى إنسان؟ الحيوان الناطق،
فالحيوان الناطق معنى ومفهوم من لفظ إنسان، إلَّا أنَّ هذا المعنى يمكن تحقُّقُه
في عِدَّة أفراد –يمكن تحقُّقه في فردين فأكثر- لماذا؟.
لأنَّ هذا
المعنى بعينِه يُوجَد في زيد، فإنَّ زيدا هذا تألَّف من الحيوان الناطق أى: من
الإنسان ومن مشخِّصات زائدة. وكذلك يُوجَد في عمرو، ويُوجَد في بكر. فكل
هذه الأفراد تشتمل على الحيوان الناطق ويختلف كلُّ واحدٍ منها عن الآخر بمشخِّصات –بأوصاف-:
بلون، بطول، بشكل، بهيئة، بمكان يختصُّ به عن غيره.
كلُّنا جميعا
نشترك في الحيوان الناطق، لكن كل واحد منَّا يختصُّ عن الآخر إمَّا بلون، أو بشكل،
أو بنبرة صوت الخ، بموصَّفات كثيرة منها المكان. كل واحد منَّا يختصُّ بمكانٍ، لا
يمكن أن يشترك معه غيره، هذا هو الأمر الذي لا يمكن الإشتراك فيه، اللون يمكن
الإشتراك فيه، الطول يمكن الإشتراك فيه، الوزن يمكن الإشتراك فيه، لكن المكان لا
يمكن الإشتراك فيه؛ لأنَّه لا يمكن وجود شيئين أو جسمين في مكان واحد.
فهذا من المُشخِّصات،
هذا ما يفرقني عنكم، وما يفرق كل شخص منكم عن الآخر. المكان، واللون، والطول الخ.
فلذلك قلنا: زيد هذا فيه الحيوان والناطق –أو تقول الإنسان- وفيه تشخُّصٌ زائد على
الحيوان الناطق، وعمرو أيضا فيه الحيوان الناطق وفيه تشخُّص، المراد بالتشخُّص هي
الأوصاف التي لا يشترك معه فيها غيره. وكذلك بكر فيه الحيوان الناطق وفيه تشخُّص.
فقد تبيَّن
الآن أنَّ هذا المعنى –وهو الحيوان الناطق- موجود في أفراد كثيرة. بخلاف هذا
المعنى – معنى لفظ زيد-، فهذا المعنى هو الحيوان الناطق مع التشخُّص –هذا كله هو معنى
زيد-. ولا شكَّ أنَّ هذا المعنى الذي هو معنى زيد –الذي هو الحيوان الناطق مع
التشخُّص- لا يمكن أن يشترك معه فيه غيره؛ لأنَّه إن جاز أن يشترك معه غيره في
الحيوان الناطق، لكنَّه لا يجوز أن يشترك معه في التشخُّص. فلذلك كان هذا المعنى
بتمامه مختصًّا في فرد واحد.
هذا يُسمُّونه
جزئيًّا، وهذا –لفظ انسان- يُسمّونه كليًّا. هذا معنى أنَّ اللفظ المفرد ينقسم إلى
جزئيٍّ وكلِّيٍّ؛ لأنَّه إن أمكن تحقُّقُ معناه في فردين فأكثر فكليّ، وإلَّا بأن
لم يقبل التحقُّق إلَّا في فرد واحد فهو الجزئي. هذا هو المعنى الإجمالي لِمَا
ذكره الشيخ من التعريف المشهور عندهم.
***
v
س: ما معنى التشخُّص؟
v
ج: التشخُّص هي أوصاف التي تتَّصِف بها وتزيد على
الحيوان الناطق. أنت تتصف بلون معيَّنٍ، وتتَّصِف بطولٍ، وعرضٍ، وذكاءٍ، أو غير
ذكاءٍ، من بلد غير بلد آخر، هذه كلها مُشخِّصات. مكان، زمان ولدت فيه وستموت فيه
أو تعيش فيه. صفات؛ كالنوم، أو القيام، أو الجلوس، فأنت الآن جالس تختلف عن غيرك
القائم، كل هذه أوصاف تشخِّصك[2] وتميِّزك عن غيرك. لا يمكن أن يتَّحدَ معك في مجموع هذه
الأوصاف غيرُك.
v
لاشكَّ أنَّ هذه الأوصاف لا تدخلك في الإنسانية، لا يمكن
أن أقول: لونُك من ماهيتك، طولك من ماهيتك، عرضك من ماهيتك، وزنك من ماهيتك، لا،
هذا ليس من الماهية؛ لأنَّ الماهية ثبتت لغيرك ولم يثبت له ما ثبت لك من هذه
الأوصاف. فلو قلنا: المكان الذي أتحيَّزُ فيه أو تُوجَد فيه، هذا المكان إذا
جعلناه داخلا في الماهية، الآخر ماهيته حيوان ناطق أيضا يشترك معك في نفس الماهية
وفقد المكان، كيف يكون فاقدا لجزء من الماهية ومع ذلك تحقَّقَت فيه؟. فلذلك المكان
ليس داخلا في الماهية، اللون ليس داخلا في الماهية، الطول، والعرض، وهكذا.
v
أنت الآن جائع إلى آخر هذه الأوصاف: مسرور، سعيد، حزين،
كل هذه أوصاف تُشخِّصك وتُميِّزك. أنت تدرس في الشرع، غيرك يدرس في الطب، غيرك
يدرس في الهندسة، هذه أوصاف. هذا مُتزوِّج، هذا ليس مُتزوِّج.
v
س: لفظ زيد لماذا جزئي ولفظ إنسان لماذا كلي؟
v
ج: قلنا: لأنَّ لفظ زيد معناه هو الحيوان الناطق المشخِّص
بمشخِّصات التي نُسمِّيه بالشخص، معناه لا يقبل التحقق إلَّا في زيد المعروف. أنت
اسمك محمّد، لفظ (محمّد) هذا له معنى،
ما معناه؟ الحيوان الناطق مشخَّص بمشخِّصات فيك، لا يمكن أن يتَّحدَ معك في هذا
المعنى آخر، فلذلك لا يمكن أن يصدق هذا المعنى –معنى محمد الذي هو موضوع لك- على
غيرك، لا يصدق في الخارج –في الواقع- إلَّا عليك فقط. كيف يشترك غيرك فيك؟.
v
س: كيف إن كان أكثر من شخص يُسمَّى زيدا؟
v
ج: يمكن أن يقول إنسان: يشترك غيره فيه بأن يُسمَّى زيد أيضا.
يعني يكون في زيد، وزيد، وزيد، أفراد ثلاثة مثلا كلٌّ منهم سُمِّي بزيد، صحيح.
اشتركوا في معنى زيد؟، لا، هذا الكلام ليس بصحيح. لماذا؟ لأنَّ زيد الذي هو الفرد
الأوَّل له معنى هو شخص مختلف عن شخصين الآخرين. كلمة شخص لابدَّ أن نكرِّره، أنت
تعلم أنَّ هذا الشخص يختلف عن هذا الشخص الثاني، والثاني يختلف عن الثالث. وزيد
هذا شخص ثان، وزيد هذا شخص ثالث، لماذا نقول شخص؟ لأنَّه لابدَّ من أخذِ التشخُّص
حتَّى يكونَ جزئيًّا وحتَّى نقول: لا يشترك معه غيره.
v
فزيد الأوّل له معنى يختلف عن زيد الثاني ويختلف عن زيد الثالث،
فزيد –الشخص- هذا المعنى وقع على الفرد الأوّل فقط، لا يمكن أن يقع على الثاني ولا
يمكن أن يقع على الثالث. كذلك المعنى الثاني وقع على الشخص الثاني، ولا يمكن أن
يقع على الأوَّل لماذا؟ لأنَّ مشخِّصات هذا تختلف عن مشخِّصات ذلك. والثالث أيضا
كذلك لا يمكن أن يصدق على الثاني أو الأوَّل؛ لأنَّ مشخِّصاته تختلف عن مشخِّصات
الفردين الأوَّلين. غاية ما في الأمر أنَّه حصل اشتراكٌ في اللفظ، وكلامنا في الكلِّيِّ
والجزئيِّ الإشتراك في المعنى لا في اللفظ، وهنا المعنى مختلف. هذا اشتراك في
اللفظ لا يعنينا هذا، هناك جزئيات كثيرة تشترك في الألفاظ، هذه لا مشكلة به، المهم
المعنى. هل معناه يقبل التحقُّق في أفراد أو لا؟، إن قبل كان كليًّا وإن لم يقبل
كان جزئيًّا.
v
قلنا: إن كان معناه، هل قلنا: لفظه؟، إن كان لفظه قد
سُمِّي به كثيرون هل قلنا هذا –كلي-؟ ما قلنا هذا، ما قلنا: لفظه قد سُمِّي به
كثيرون فهو الكلِّيّ، وإن سُمِّي به واحد فهو الجزئي، لا، ما قلنا هذا.
v
قلنا: إن وقع معناه، إن تحقَّق معناه، ولاشكَّ أنَّه في
الأسماء الواحدة هذه–زيد، زيد، زيد-، المعنى مختلف. فلذلك نقول: هذا المعنى –معنى
لفظ زيد الأول- وقع على فرد واحد فيكون زيد هذا جزئيًّا، وهذا المعنى –معنى لفظ
زيد الثاني- وقع على فرد واحد فيكون هذا الثاني جزئيًّا، وهذا المعنى –معنى لفظ
زيد الثالث- وقع على فرد واحد فيكون الثالث جزئيًّا. اشتركوا في الأسماء؟، ما
المشكلة؟، لو إسما واحدا لألف شخص، ما المشكلة؟. فلا يصح أن تقول: زيد الذي سُمِّي
به أكثر من فرد كلِّيّ؛ لتحقُّقه في أفراد. أين التحقق؟، هل هذه التحقُّق في
الأفراد أم سُمِّي به أفراد؟ سُمِّي به أفراد، وقلنا: سُمِّي به أفراد هذا لا
مشكلة فيه؛ لأنَّ التقسيم إلى كلّيٍّ وجزئيٍّ لا داخلان في التسمية وإنَّما
باعتبار إمكان تحقُّقِ المعنى.
v
س: قلنا: أنَّ الكلي ما يقبل التحقق في الأفراد، أو ما
يمكن أن يتحقَّق في الأفراد، كيف نعرف هذا التحقق؟
v
ج: لا، هذه المسألة تعرفه من الفلسفة، فالمنطق لا داخل
له بهذا. المنطق يقول: الكلِّيُّ عندي كذا والجزئي كذا، لكن كيف تعرف أنَّه يتحقَّق
في أفراد أم لا يتحقَّق، هذا له علم آخر. البلاغة تقول لك: اللفظ إن كان كذا يكون
حقيقة وإن كان كذا يكون مجازا، كيف نعرف أنَّه حقيقة أو مجاز، هذا تأخذ من علوم
أخرى. كيف أعرف أنَّ هذا اللفظ حقيقة أو مجاز؟، البلاغة ليست مشغولة عن هذا،
البلاغة لا دخل لها بهذا. فكل علم يذكر أو يأتي بالقاعدة التي تخصه فقط، لكن كيفية
التطبيق هذا إمَّا أن يكون من عمل الشخص وإمَّا أن يكون من علم آخر ويحتاج لعمل
الشخص أيضا. بالعمل الشخص بأن لم يكن مدوَّنا في علم آخر.
v
فكيف نعرف أنَّ معنى من المعاني صدق على كثيرين؟، أرجع
للعلم المختصِّ بالحقائق وهو علم الفلسفة، هو الذي يتكلَّم في حقيقة الأشياء. هل هذه
الحقيقة يمكن أن يتحقق فيها أفراد أو لا يمكن؟، هذا هو العلم المختص بهذه الحقائق.
أمَّا علم المنطق ليس مختصًّا بتحقُّقِ الأشياء في الخارج وإنَّما هو مختصَّةٌ
بأوصاف الأمور المتحقِّقة في الخارج من كونها كلية أو جزئية، جنس أو فصل الخ.
***
قال: ((والمقصود هنا))، أى: في مبادئ التصورات ((المفردُ)).
((وهو قسمان))، أي: المفرد:
((جزئيٌّ: إن منع تصوُّرُ معناه من وقوع الشركة فيه)). إذن تعريف الجزئي الذي ذكره الشارح رحمه الله هو: ما يمنع تصوّرُه أو
تصوّرُ معناه من وقوع الشركة فيه. إن فهمت ما ذكرته فهمت هذا التعريف.
زيد، هذا له
معنى هو الشخص. نحن عرفنا أنَّه جزئي لماذا؟ لأنَّ معناه لا يقبل التحقُّق في
أفراد. الشيخ هنا قال: هذا المعنى يمنع تصوُّره أى: انتقاشه في الذهن من وقوع
الشركة فيه، يعني: عندما يُتصوَّر هذا المعنى ويُنتقَش في الذهن يُحِيل العقل أن
يكون أو أن يتحقَّق أو أن يقع هذا المعنى في أفراد أى: أن تحصل الشركة فيه. أيّ
شركة؟ شركة أفراد، أن تشترك هذه الأفراد.
فهذا المعنى
–معنى لفظ زيد- يتحقَّق في فرد واحد فقط، أين الشركة فيه؟، أين الإشتراك في هذا
المعنى؟، لا يمكن. فهذا المعنى –معنى لفظ زيد- الذي هو الشخص إذا انتُقِش في الذهن
قطع العقل بأنَّه لا يمكن أن يشترك فيه اثنان، بل يكون لواحد فقط.
هذا معنى قوله:
((ما يمنع))، أى: يحيل ((تصوُّرُه))، أى: تصوُّر المعنَى ((من وقوع الشركة فيه))، أى: من
تحقُّقِه في فردين فأكثر؛ لأنَّ التحقُّق في فردين يستلزمُ الإشتراك، يستلزم
الشركة.
***
v
س: الجزئي ما يمنع، هل العقل أم التصوُّر الذي يمنع؟
v
ج: المعنى هو الذي يمنع، لكن ما الذي يدلُّك على أنَّه
منع؟ هو العقل.
***
إذن معنى
اللفظ عندما يُنتقَش لا يمكن أن يُتصوَّر في العقل أن يكون هذا المعنى في فردين أى:
أن يشترك فيه فردان فأكثر. هذا معنى قوله: ((من وقوع الشركة فيه))؛ كزيد، فإنَّنا
إذا تصوَّرنا معنى مع تشخُّصٍ لا يمكن أن يصدق هذا المعنى في أذهاننا على فردين
فأكثر، فلذلك كان جزئيًّا.
الكلي، نقيضه:
ما لا يمنع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛ كإنسان. فإنَّ إنسان معناه: الحيوان
الناطق، وهذا المعنى إذا تُصُوِّر في العقل لا يمنع من تحقُّقِه ووقوعه في أفرادٍ
كثيرة. وإذا تحقَّق في أفرادٍ كثيرة حصلت فيه الشركة، حصلت فيه الإشتراك بأن اشترك
فيه: زيد وبكر وعمرو.
فهذا –الحيوان
الناطق- مُشترَك بفتح الراء أى: مشترَكٌ فيه، وهذه –زيد وبكر وعمرو- مشترِك، فهذا
أى: زيد اشترك مع بكر في الحيوان الناطق. فمعنى الإشتراك لابدَّ فيه من مُشترِك،
ومن مُشترِكٍ معه، ومن مشترَكٍ فيه.
تقول: هذا
اشترك مع هذا الفرد في هذا، فهذا مشترِك، وهذا مشترِك معه، وهذا مشترَك فيه أى:
اشتركت فيه هذه الألفاظ. هذا معنَى قوله: ((من وقوع الشرِكة))، أى: من وقوع
الإشترك. بخلاف هذا –معنى زيد-، هذا لم يشترك مع فردِه فردٌ آخر، فلذلك قلنا: ((يمنع من وقوع الشركة فيه)).
***
v
س: إذا قصدنا بالإنسان الفرد، هل يكون اسمًا؟
ج: إذا قصدت، ما معنَى قصد؟، هل سميت شخصا بإنسان؟
v
س: أطلق إنسان وأردت الفرد. هل يكون معنى إنسان جزئي؟
v
ج: أردتَ تجوُّزًا؟، نعم، تكون هذا المعنَى جزئيًّا. لكن
هذا في المجاز، المجاز له كلام آخر. نحن نتكلَّم الآن على إطلاق الألفاظ على
حقيقته، لكن يُمكِن أن نُجرِيَ إن أردت التسمية؛ سمَّيتَ شخصًا بإنسان، إسمُه
إنسان. أنت تقصِد هنا بلفظ إنسان هذا الشخص وليس الحيوان الناطق، فحينئذ يكون إنسان
جزئيًّا أم كليًّا؟ جزئيًّا؛ لأنَّنا قلنا: الألفاظُ لا دخل لنا بها، الكلام في
المعنَى، ننظر إلى معناه. التسمية لا تفيد شيئًا في هذا الباب. لأنَّنَا بدأنا من
الكلام على الجزئي والكلي في المنطق حقيقةً، فاليوم هو بدايةُ المنطق. أمَّا ما
مضى كلُّه كان متعلِّقًا بألفاظ؛ لأنَّ الإفراد والتركيب وصفان للَّفظ، وأمَّا
الجزئي والكلي وصفان للمعنَى. ففي الكلام على الجزئي والكلي ابتداء الكلام على
المعاني، إذن ننسى ما يتعلَّق بالألفاظ.
v
شخص سُمِّي بـ كلي، أنت سمَّيت شخص كلي، إسمُه كلي، هل
هو كلي أم جزئي؟ جزئي. سمَّيت ماهيًّا من الماهيات؛ كالحيوان الناطق مثلا سميتها
بجزئي، سَمِّها بما تشاء، هي كلية أو جزئية؟ كليَّة. لماذا؟ لأنَّه لا دخل لي بالتسمية،
لا دخل لي بالألفاظ –كما سيأتي في نهاية مباحث الألفاظ-.
v
الكلي والجزئي أوصافٌ للمعاني. فإذا أتاك لفظ؛ ككلي
مثلًا وقيل لك: هل هو كلي أو جزئي؟، تقول: ما المراد به؟، ما معناه؟، وإن قد
سُمِّي به شخص فهو جزئي. كيف يكون كلي جزئي؟، ما المشكلة؟. نُسمِّى بالكلي جزئي،
ما المشكلة؟. سمَّيت إنسانا بـ كثير، هل هو كلي أو جزئي؟ جزئي. كيف؟، هو كثير. هذا
كثير في التسمية، لكنَّه واحد –معناه واحد- فلذلك يكون جزئيًّا. هذا كلُّها يُرشِدنا
إلى أنَّ التسمية في هذا الباب لا تفيد. التسمية لا ننفع لها بدءًا من الكلام على
الجزئي والكلي والدخول أيضًا في الكليات الخمس كلُّها معاني، وما سبق كان دخولًا
عليه؛ لأنَّ المعنَى لابدَّ له من لفظٍ.
***
هذا معنَى قول
الشيخ رحمه الله: ((جزئي: إن منع تصوُّرُ معناه))، أى: انتقاش معناه في الذهن ((من وقوع
الشركة فيه))، أى: من حصولِ اشتراكِ أفرادٍ فيه، وحصول اشتراكِ
أفرادٍ فيه فرعُ قبولِ المعنى للتحقُّق في أفرادٍ؛ لأنَّه لا يُمكِن أن تحصُلَ فيه
شركة أى: أن يشترِك فيه أفراد إلَّا إذا كان المعنى قابِلا للتحقُّق في أفراد.
المعنَى إذا كان يأبى عن تحقُّقِه في أفراد، كيف يشتركُ في أفراد؟.
قال: ((وكلي: إن لم يمنع تصوُّرُ معناه من وقوع الشركةِ فيه))، الإشتراك في أفراد. قال: ((كالأسد))، وكإنسان. ((الأسد)) الحيوان
المفترس، هذا المعنَى يُمكِنُ تحقُّقُه في أفرادٍ أم لا؟ يمكِن، هذا الأسد، وهذا
الأسد، وهذا الأسد يمكِنُ، أو كلُّ فردٍ منها ماهيتُه الحيوان المفترس إلَّا أنَّ
الأوَّل يحترز عن الثاني بمشخِّصات، والثاني يختلف عن الثالث الخ. فقبل معنَى أسد
التحقُّقَ في أفراد، لأنَّه لم يمنع تصوُّرُه –تصوُّر هذا المعنى أو تقول: تصوُّره
أو تصوُّرُ معناه على اختلاف المراد من الكلي والجزئي- من وقوع الشركة فيه أى: من
اشتراك أفرادٍ فيه.
***
v
س: لفظ أسد قد أريد به أفراده وقد أريد به مفهومه؟، قلنا:
اللفظ يُرادُ به مفهوم أو فرد، يعني معناه.
v
ج: كيف تريد مفهومه؟، لفظ أسد كيف تُطلِقه وتريد مفهومه؟.
تأتي بأل الجنسية، تقول: الرجل، المرأة. ما المراد بالرجل هنا؟، هل أفراده؟،
ماهيته أى: الحيوان الناطق الذكر، هذه ماهيته. المرأة أى: الحيوان الناطق الأنثى.
لا أقصد هذا الرجل ولا هذه المرأة، لا أقصِد الأفراد. هذا دلالة على الماهية. إذن أل الجنسية عند النُّحاة تقلِب دلالةَ اللفظ على
الأفراد لا دلالته على الماهية، على المعنَى بمعنى أنَّ المتكلِّمَ الذي أتى بأل
الجنسية أقطع النظر عن الأفراد. هذا محلُّه غير هذا الكتاب.
v
س: ((ما)) في تعريف الجزئي والكلي واقع على ماذا؟
v
ج: هذا سؤال جيد. في كلام الشارح ((ما)) واقعةٌ على لفظ مفرد، لماذا قلنا ذلك؟، لأنَّه قال
ينقسِم إلى مفردٍ ومركَّب، ثُمَّ قال المفرد ينقسِمُ إلى جزئيٍّ وكليٍّ، وكلٌّ
منهما قسم من المفرد، والمفرد قسم من اللفظ، فكلٌّ منهما يُؤْخَذ في تعريفِه.
فلذلك نقول: ((ما))، أى: لفظ
مفرد.
v
ثُمَّ نأتي بما يُعيِّن الجزئي أو يُعيِّن الكلي، وهو لا
يمنع أو يمنع. فلذلك احتاج إلى أن نقول: ((معناه)) ويرجِع الضمير ((معناه)) إلى ((ما)) الواقعة على اللفظ أى: الكلي لفظٌ مفردٌ لا يمنعُ تصوُّرُ معناه أى: معنى
هذا اللفظ من وقوع الشركة فيه. مع أنَّنا ذكرنا منذُ قليل أنَّ الكلي والجزئي
معاني لا ألفاظ، لكن يُمكِن إجراءه على الألفاظ –كما سيأتي في هذا الفصل- أنَّه من
باب التجوُّز ويمكِن إجراءها أو أصل إجراءها على المعاني.
v
إذا جعلت ((ما)) واقعةً على معنًى، لكن لا يصِحُّ هذا بما صنعه المصنِّف؛ لأنَّ المُصنِّف
أدرج الجزئي والكلي تحت المفرد، لكن يُمكِن في متون أخرى أو مألَّفات أخرى بأن
يقول: اللفظ ينقسم إلى مفرد ومركب، والمفرد معناه إمَّا جزئي أو كلي. هذا جعل
التقسيم للمعنَى وهو الأصل، حينئذٍ يُعرِّف ويقول: ((ما)) واقعة على المعنى. هذا الكلام في غير كلام المصنِّف،
وحينئذٍ لابدَّ أن يحذِف كلمة ((معناه)) بأن يقول: ما أى: معنًى، لا يمنع تصوُّرُه أى: تصوُّر المعنَى.
v
لكن لو قلت: تصوُّر معناه، المعنى له معنى؟ لا. وهذا هو
المشهور، لذلك ذكرنا في أوَّل التعريف، حذفنا كلمة معناه؛ لأنَّه المشهور والأحسن.
هذا إذا جعلت ((ما)) واقعة على
معنى. لكن هذا لا يُمكِن في كلام المُصنِّف، فلابدَّ من إيقاعِها على لفظ مفرد، وحينئذٍ
نحتاج إلى كلمة معنى؛ لأنَّنا لو حذفنا كلمة (معنى) وقلنا: لفظ مفرد يمنع تصوُّره. اللفظ لا يُتصور، اللفظ
يُسمَع. ما الذي يُتصوَّر؟ معناه. على كلِّ حال، إذا قصدت هنا بـ ((ما)) المعنَى تحذف (معناه)، وإذا قصدت هنا اللفظ وجب أن تأتي بالمعنى بتمامه.
v
(ما) أى: لفظ مفرد (يمنع)، فاعل يمنع هو، (تصوُّر معناه) الضمير في معناه راجع لـ(ما) الواقعة على لفظ مفرد، (من وقوع الشركة فيه) الضمير راجع
لمعناه أى: في المعنى. إذن تصور المعنَى يمنَع الشركةَ في المعنَى، ما معنى يمنع
الشركة في المعنى؟ أى يُحيل عند العقل التحقُّق في أفراد. طيب، إذا لم يحل جوَّز
هذا المعنَى، يُمكِن أن نَجعلَه في هذا الفرد أو نجعله في هذا الفرد، نقول هو كلي.
هذا عليه اعتماد المنطق، عُمْدَةُ المنطِق في فهم الكلي والجزئي.
v
س: هل الوصف بالكلي والجزئي للفظ المفرد فقط؟
v
ج: هذا أيضًا لا يُناسِبُ هذا الكتاب.
***
بعد أن انتهى
الشيخ رحمه الله من الكلام على الكلي والجزئي، شرع في الكلام على أقسامِ الكلي،
وترك الكلامَ على الجزئي ولن نتكلَّم على الجزئي بعد ذلك. فالجزئي هنا تكلَّمنا
عليه لمُقابلَتِه بالكلي؛ تتميمًا للقسمة فقط، وأمَّا المنطقيُّ فلا اشتغالَ له
بالجزئي أبدًا، لا يشتغِل المنطِقي بالجزئيَّات بل اشتغالُه بالكليَّات، وكذلك
سائرُ العلوم إلَّا بعضُ العلوم. فالجزئيُّ متروكٌ من الآن إلى نِهايةِ المنطِق.
لذلك شرع في
تقسيم الكلي وسكت عن الجزئي. بخلاف المفرد والمركَّب، فالمفرد تكلَّموا عليه في
مبادئ التصوُّرات والمركَّب تكلَّم عليه في مقاصِدِ التصوُّرات وفي التصديقات
بمبادئها ومقاصدِها. أمَّا الكلي والجزئي فيُؤخَذ منه الكلي ويُترَك الجزئي إلى
الأبد.
قال: ((وهو))، أى: الكلي، فالضمير يرجِع إلى أقربِ المذكور.
قال: ((ستَّة أقسام)).
***
v
س: الكلي ما لا يمنع تصور معناه؟
v
ج: طيب، أنت فهِمت أنَّ المعنَى إذا قبِل التحقُّق في
أفرادٍ بمعنَى أنَّ المعنى وُجِد في هذا الفرد ووُجِد في هذا الفرد ووُجِد في هذا
الفرد يكونُ كليًّا؟.
v
أنت فهمتها لكن تخيُّلُها هو الفاعل. إذن لابدَّ أن
يُفرِّق الطالب بين أنَّه فهِم الشيء وبين أنَّه تخيَّل. طيب، أنا أُخَيِّله لك
بمثال، لفظ إنسان له معنًى هو الحيوان الناطق، هذا المعنَى يُنتَقَش في الذهن أم
لا؟، اللفظُ يُسمَع والمعنَى يُنتقَش في الذهن. إذا انتُقِش هذا المعنى في الذهن
وبحث العقل في الأفراد أو في الأشياء التي يوجَدُ فيها هذا المعنى، هل يجِد فردًا
واحدًا؟، هل يجد شيئًا واحدًا فقط في هذا المعنى أم تجِدُ أشياء؟
v
س: واحد
v
ج: ما هو الواحد؟
v
س: إنسان
v
ج: لا، الإنسان كلفظ انتهينا منه، كمعنى هذا انتُقِش،
بعد المعنَى. المعنَى واحد صحيح واللفظ واحد صحيح، بعد المعنى، العقل فتَّشَ فيما
عنده من الأشياء، ما الأشياء التي يُوجَد فيها هذا المعنَى؟، نتكلَّم عما يتحقَّق
فيه هذا المعنى. ولا شكَّ أنَّ المعنى يتحقَّق في أفرادٍ، في أشياء. إذا تصوَّرت
الحيوان الناطق أى: تصوَّرت جسمًا ناميًا حسَّاسًا متحركًا بالإرادة متفكِّرًا،
هذا المعنَى. العقل يقول: يتحقَّق في شيء واحد، في فردٍ واحد أم في أشياء؟ في
أشياء. ما هي هذه الأشياء؟ هي زيد، وبكر، وعمرو، وخالد، ومحمد، وعلي، هذه كلُّها
موجودَةٌ عند العقل، والعقلُ يَحكُم بوجودِ الحيوان الناطق في كلِّ فردٍ. لماذا؟
لأنَّه يقول: زيد جسم نام حساس متتحرك بالإرادة متفكِّر، وجِد فيه المعنى أم لا؟
نعم. ويقول أيضا: محمد جسم نام حسّاس متحرك بالإرادة متفكِّر أى: حيوان ناطق. بكر
جسم نام حسَّاس متحرِّك بالإرادة متفكِّر أى حيوان ناطق. العقل وجد المعنى في
أفرادٍ كثيرة أم لا؟ نعم.
v
زيد، لفظ سمعت ثمَّ تصوَّرت معناه، ما هو معناه؟ هو
حيوان ناطق بمشخِّصات بمُميِّزاتٍ معيَّنةٍ كأن يكون شخصًا تعرفه. عندما سمعت هذا
اللفظ، جاء هذا المعنى –الشخص الذي تعرِفه في ذهنِك- العقل فتَّش في كلِّ الأشياء
التي يعلَمُها، ما الأشياء التي يتحقَّق فيها هذا المعنَى؟، وجَد شخصًا هو زيد
–الشخص الذي تعرِفه- هل يجِد فردًا آخر تحقَّق فيه هذا المعنى؟ لا يجِد. هذا معنَى
أنَّه لم يتحقَّق في فردٍ ثانٍ بل تحقَّق في فردٍ واحدٍ. هذا بالنسبة للكلام الذي
ذكرناه في أوَّل المحاضرة.
v
أمَّا بالنسبة لكلام الشارح فهو يرجِع إلى ما قلناه، فقوله:
(ما يمنعُ تصوُّرُ معناه من وقوعِ الشركةَ فيه). (ما) أى: لفظ مفرد؛
كلفظ زيد، (تصوُّر معناه)، معنَى لفظ
زيد هذا لَمَّا جاء في ذهنك، ثُمَّ فتَّشَ العقلُ فيمَا عندَه لم يجِد أنَّه قد وقعت
الشركة فيه. لماذا؟ لأنَّه قد وجد فردًا واحدًا له هو الشخص الذي تعرِفُه. ما
معنَى أنَّه منع المعنى أو تصوُّرُ معناه منع من وقوع الشرِكةِ فيه أى: لم يجِد
أفرادًا إلَّا فردًا واحدًا. فبعدَما فتَّش وجد أفرادًا؛ كمعنَى إنسان وجد له
أفرَادًا، فنقول حينئذٍ: تصوُّرُ معناه –انتِقاشُه في الذهن- لم يمنع من وقوع الشركةِ
فيه أى: من وجودِه في أفرادٍ، فيكون كلِّيًّا.
v
س: إذا قلت: هذا الكتاب،
وأقصِد هذا الكتاب بعينِه، هل يدخل تحت الجزئي؟
ج: جزئي. (هذا) إشارة تجعلُ
ما بعدَها جزئيًّا. إذا قلت: هذا الإنسان، جعلت ما بعده جزئيًّا؛ لأنَّه أُريدَ به
فردٌ واحدٌ. الضمير، والإشارة، والموصولات، كلُّها جزئيَّات مع أنَّها تتناوَل
أفرادًا كثيرة لكن لا يُرادُ بها في الكلام الواحد إلَّا فردٌ واحدٌ. بخلافِ ما
إذا قلت: الكتاب، هذا كليٌّ أو جزئيّ؟، ننظر، ما معناه؟ معناه الورق الذي يُكتَب
فيه النقوش –العلم- أو النقوش الدالة على الألفاظ، هذا المعنَى هل يمكِن تحقُّقها
في أفرادٍ كثيرة؟ نعم، ما في يدي هذا أورق تُكتَب فيها نقوشُ الدالة على الألفاظ،
وما معك أيضًا أوراق تُكتَبُ فيها النقوش الدالة على الألفاظ، وما معك أيضًا. هذا
المعنَى وُجِد في هذا الفرد، وُجِد في هذا الفرد، وُجِد في هذا الفرد، فيكون
كليًّا.
v
س: إذا وُجد لفظٌ يدل معناه إلى الكثرة
v
ج: كأيِّ لفظ؟
v
س: كمثلِ أرض أو ماء
v
ج: أرض، ما معنَى أرض؟
v
س: التراب مثلًا
v
ج: قصد به تراب؛ كما نُعبِّر أنَّ هذه أرض مثلا
v
س: قصد به الكثرة من التراب
v
ج: معيَّنة؟، قصدت هذه الأرض بعينها؛ كأن يقول لك إنسان:
عندي أرض أريدُ أن أبيعَها. يقصِد أرضًا معيَّنة. بخلاف ما إذا قال إنسان: الأرض
لله أى: أرضي وأرضك، أى: إذا قصد الأرض الكوكب. إذا قصد أرضي وأرضك وأرض فلان،
وأرض السلطان، فحينئذ تكون كلمة أرض في كلامه كليًّا؛ لأنَّها تناولت أفرادًا
كثيرة. لكن إذا قصد الأرض أى: الكوكب، الأرض يكون جزئيًّا؛ لأنَّه واحد لا يشترِك
معه كوكب آخر. وماء البحر، وماء النهر هذه كليَّات؛ لأنَّ ماء البحر يُتصوَّر في
البحر الأحمر ويُتَصوَّر في البحر المتوسِّط ويُتصوَّر في أبحارٍ كثيرة. هذا فرد
وهذا فرد وهذا فرد، فالبحر الأحمر ماءه يصدُقُ عليه أنَّه ماء البحر والبحر
المتوسِّط يصدق على ماءه أنَّه ماء البحر، فيكون كليًّا.
v
بخلاف ما إذا قال: هذا الماء، قصد كوبًا من الماء أو قصد
بحرًا بعينِه وقال: هذا الماء، هذا جزئي متشخِّص. وأجرِ هذا الكلام في كلِّ شيء،
في جميعِ الألفاظ؛ لأنَّ الألفاظ لا تخرج عن الجزئي والكلي أبدًا. الكلام هنا
حاصر، القسم هنا حاصرة وعقلية. لا لفظَ أبدًا، لا في شرعٍ ولا في عقلٍ ولا في عرفٍ
خاصٍّ أو عامٍّ إلَّا ويندرج تحت جزئي أو الكلي.
v
س: هل تقصد بالكثرة كمِّية الشيء؟، كثرةُ الشيء في
ذاته؟، كثرة الشيء في نفسه؟، الماء كثير، والأرض كبير؟
v
ج: لا، ما كنَّا نتكلَّم عنه، كُنَّا نتكلَّم عن كثرة
الأفراد بأن يتحقَّقَ في فردين فأكثر. الكثرة هنا المراد بها ما فوق الواحد، فتشمل
الإثنين. فإذا قلت: هذا الماء، وقصدت ماء المُحيط، هذا كبير جدًّا، جزئيّ، لأنَّك
قلت: هذا الماء. بخلافِ ما إذا قلت: ماء النهر، والنهر صغيرة جدًّا أصغر من الماء
المحيط. ماء النهر هذه تكون كلي لماذا؟ لأنَّ أفراد النهر كثير، مع أنَّك لو جمعتَ
ماء الأنهار لا يساوي محيطًا واحدًا. فالكلام ليس في كثرة الشيء، ولا في قلَّتِه
وإنَّما في كثرة أفراد المعنَى وقلَّتِها. الكثرة تبدأ من الإثنين ليس من الثلاثة،
كثرة هنا غير كثرة اللغوي. هذا أيضًا كالشخص الكبير والشخص الصغير، المهمّ أنَّه
فرد، أنَّه صغير أو كبير، هذا الكبير لا يصير كليًّا والصغير لا يصير جزئيًّا.
المهم أنَّه واحد تحت المعنى أو أكثر. واحد جزئي، أكثر كلي. الكثرة ليست كثرة
أجزاء الشيء وإنَّما كثرة جزئيَّات الشيء، كثرة أفراد الشيء.
v
س: هل يمكِن أن نُطلِق الكلي في النحو على النكرة
والجزئي على المعرفة؟
v
ج: هذا محلُّه في المُطَوَّلات، هذا يَصعب في هذا الكتاب
الكلامُ عليه. لكن نتناول في مُطولات النحو وفي مطولات المنطق. لكن أُجيبُك إجابة
سريعة، النكرة والمعرفة عدا الأعلام والضمائر والموصولات والإشارة.
v
النكرة والمعرفة كلية عدا العلم والموصول والإشارة
والضمير وأل أيضا عدا ما دخلت عليه أل إذا كان للعهد عدا العهد الخارجي، وللنسبة
للمضاف فهو كلي؛ كغلام زيد، مفهومه كلي أيضًا لكن يُمكِن أن يكون جزئيًّا هذا
يرجِع إلى الإضافة. بخلاف الضمير والموصولات والإشارة، هذه لا تكون إلَّا الجزئي،
العهد لا يكون إلَّا الجزئي. أمَّا النكرة لا تكونُ إلَّا الكلي، وهناك أقسام
للمعرفة لا تكون إلَّا جزئية وأقسام تكون كليّة أو جزئية، وأمَّا النكرة فليست إلَّا
الكلية.
v
س: إذا قلنا: الكلي والجزئي وصفان للمعنَى، وما المانع
إذا قال المتكلِّم: هذا الإنسان وأراد به الأفراد؟
v
ج: لكنَّه قال: هذا، فقصد أفرادًا معيَّنةً. هو يقول:
هذا الإنسان، هذا الجمع، وعبَّر عن هذا الجمع بالإنسان لأنَّ الإنسان الكل يشترِك فيه.
قال: هذا الإنسان، صار جميع من في الدار فردًا لمعنَى اللفظ الذي ذكره، فهو حينئذٍ
لا يقصِد بالإنسان الحيوان الناطق، يقصد هذه الأفراد بعينِها التي اندرجت في
الحيوان الناطق فصارت كفردٍ واحدٍ.
v
هذه كلُّها صارت كزيد، مع أنَّ هذه كثيرة، فيه أفراد
كثيرة؛ كزيد، وعمرو، وبكر، ومحمد، وخالد؟.
v
نعم،
v
لكنَّها مع كثرتِها أفرادٌ لقوله: هذا الإنسان.
v
ليست أفراد صار فردٌ واحد، الدليل على ذلك أنَّ من لم
يخطر من أفرادِ البشر يندرِج تحت إنسان لكن لا يندرجُ تحت قولِه: هذا الإنسان، فلم
يشترِك مع هذه الأفراد التي صارت كفردٍ واحد فردٌ آخر.
v
س: مرَّة نقول: مفرد، ومرَّةً نقول: أفراد، ومرَّةً
نقول: فرد؟
v
ج: أفراد جمع فرد، المراد بفرد: الشيء الواحد. وأمَّا
مفرد فهو صفة للَّفظ الواحد الذي هو فرد. إلَّا أنَّ (مفرد) هذه تُطلَق على الفرد، لكن أيِّ فرد؟ تُطلَق على الفرد
من الإنسان؟، تُطلَق على الفرد من الخشب؟، تُطلَق على الفرد من الكتاب؟ لا، تُطلَق
على الفرد من الألفاظ فقط. فلفظ زيد، فرد من الألفاظ أم لا؟ فرد ويُسمَّى بمفرد
أيضًا. هذا القلم المعنَى وليس اللفظ، فردٌ من الأقلام أم لا؟ نعم. هل يُطلَق عليه
مفرد؟ لا يُطلَق عليه مفرد، لماذا؟ لأنَّ المفرد والمركَّب قسمان للَّفظ، وهذا ليس
بلفظ. فالمفرد فرد إلَّا أنَّه فردٌ من الألفاظ، وأمَّا الفرد فيكون من الألفاظ
ومن غيرِها. فزيد لفظ، يُقال عليه فرد من أفراد الألفاظ، وهذا الكرسي فرد من أفراد
الكراسي أو الأخشاب، وهكذا. وفرد جمعه أفراد، ومفرد جمعُه مفردات. ففرد أعمُّ من
مفرد؛ لأنَّه يشملُ كلَّ مفرد، كلُّ مفرد فرد ويزيدُ عليه بما لا يُسمَّى
بالمفردات.
v
س: فرد كلي؟
v
ج: كلمة فرد تُطلَق على أيِّ شيء؟ تُطلَق على معنًى، ما
هو هذا المعنَى؟ هو الشيء الواحد المُندرِج مع أشياء. ولاشكَّ أنَّ هذا المعنَى
الذي هو الشيء الواحد المُندرِج مع أشياء يُطلَق على القلم، ويُطلَق على الكتاب، ويُطلَق
على زيد، وعلى بكر، وعلى عمرو، ويُطلَق على الألفاظ أيضًا، فيكون كليًّا. فكلمة
فرد بالنظر إلى معناها كلي، لا جزئي. كيف يكون فرد كليًّا؟ أفراده التي يصدق عليه،
فهذا القلم فرد من أفراد معنَى فرد، لفظ زيد فرد من أفراد معنَى فرد لأنَّه أمر واحد
اندرَج مع باقي الأشياء، اندرج مع باقي الألفاظ تحت اللفظ. وزيد الشخص بخلاف لفظ
زيد أيضًا فرد اندرجَ مع غيرِه تحت فرد، هذا هو الذي يكون جزئيًّا، وأمَّا الفرد
الذي هو المعنَى يكون كليًّا.
v
الجزئيُّ كليٌّ أو جزئيٌّ؟
v
كلي، الجزئي هذا كلي لماذا؟ لأنَّ هذا المعنَى الذي هو
ما يمنع ... الخ معنًى يصدُق على زيدٍ وبكرٍ وعمرٍو، يصدق على كثيرين. كيف هو
جزئي؟ أفرادُه لا معناه. كلُّ الماهيَّات كليَّة، ولا شكَّ أنَّ الجزئي له ماهية
فماهيته كلية. ما المانع الأمور التي نقول عليها جزئي هي أفرادُه.
v
س: ما هي الماهية؟
v
ج: حقيقة الشيء.
v
س: هل الماهية يكون دائمًا معنًى مُجرَّدا في الذهن؟
v
ج: فيها خلاف، هل هي معنًى ذهني لا يتحقَّق في الخارجِ
أم لا؟. على كلِّ حال هناك قولان: منهم من يقول: الماهية تُوجَد في الخارج، ومنهم
من يقول: لا تُوجَد لكن يُوجد فردُها. فمثلًا: الحيوان الناطق، هل في الخارج –في
خارج الأذهان- موجود الحيوان الناطق؟ على قولٍ لا تُوجد، فكلُّ هؤلآء الأفراد ليس
فيهم حيوان وناطق وإنَّما هي أفرادٌ للمعنَى الذهني. وبعضُهُم يقول: لا، موجود ومُتحقِّقٌ
في الخارج.
v
هذه مسألة فلسفية كبيرة فيها خلاف. المهمّ، أنَّه وُجِد
في الخارج أم لم يُوجَدْ، هناك ماهية سواء تتحقَّق في الخارج أو لا تتحقَّق، هي
ماهية. ما هي هذه الماهية؟ هي ما يُحقِّق الشيء، فكلُّ ما يُحقِّق الشيء يُسمَّى
ماهية أو مائِيَّة. مثلا: الحيوان الناطق، لماذا سمَّيناها ماهية؟ لأنَّها تُحقِّق
زيدًا، لولا الحيوان والناطق ما تحقَّق، هذا معنَى قولِهم حقيقةُ الشيء أو
الماهية، ما به الشيء هو هو.
v
س: تُحقِّق الشيء معناه؟
v
ج: تحقِّقه توجِده. أنت لو عدمتُ منك الحيوانية، تفنى أم
لا؟ تفنى. لو عدمتُ منك الناطقية؟ تفنى. أوجدتُ فيك الحيوانية والناطقية، توجَد أم
لا؟ توجَد، فلذلك تتحقَّق أنت بتحقُّق الحيوانية والناطقية فيك. فلذلك قلنا: ما
يُحقِّق الشيء.
v
س: هذا الإنسان، هل نستطيع أن نقول أنَّه حكم على
المجموع وليس على الجميع؟
v
ج: جعل المجموع شيئا واحدا. كون المجموع أشياء هذا لا
يعنيه، زيد أشياء؛ يد وعين ورأس وبطن ورجل وشعر، هذا زيد. ليس مشكلة أبدًا من أن
يكون الفرد متألِّفًا ومركَّبًا من أمورٍ كثيرة. كما هنا، جعل كلَّ فردٍ من هذه
الأفراد جزء للمُشارِ إليه الذي هو (هذا). اللفظ الذي قاله (هذا) ذهب، كما لنا إذا قطعنا زيدا، ذهب زيد.
v
س: غلام زيد لا يندرج تحته أفراد، إذا قصدنا المعنى.
v
ج: كيف؟. زيد يملِك مائة غلام.
v
س: هنا، أضفنا غلام بزيد.
v
ج: الإضافة لا تصيرُ جزئيًّا، تُخصِّصه أو تُقلِّل
الإشتراك. هنا، انظرْ، من لم يفهم المنطق لن يفهم النحو.
v
س: بالنسبة للسؤال غلامُ زيدٍ، إذا كان زيد له غلام
واحد؟
v
ج: لفظ غلامُ زيد كلي، لكن إذا عنى به المتكلِّم فردًا
واحدًا كان جزئيًّا. وحينئذٍ يكون من قبيل المجاز أو الحقيقة على خلافٍ في هذا. لكن
مشكلته: ليس في أنَّ غلامَ زيد أُطلِق على فردٍ واحد. في أنَّ غلام قُيِّد بزيد،
والتقييد يُخصِّصُهُ، لا يُعيِّن، بل يُقلِّل؛ لأنَّ الغلام يمكِن أن يكون غلام
زيد، أو عمرو، أو بكر. يعني: زيد، عمرو، بكر، كلٌّ منهم اشترى مائة غلام، فإذا
قلت: غلام، يشمل المائة التي يملكها زيد، والمائة التي يملكها عمرو، والمائة التي
يملكها بكر. فإذا قلت: زيد، قلَّت الأفراد إلى مائة. قلَّت، لكن ما زالت كليَّة،
لماذا؟ لصدقِها على المائة. هذا هو الكلام الذي قلنا في التخصيص أو التقليل للإشتراك.
v
س: هل هناك فرق بين (كتاب) نكرة و(الكتاب) للمعرفة؟
v
ج: نعم، هناك فرق بأل. وله معانى مختلف، وكل منها يختلف
عن الآخر باعتبار الكلية والجزئية. هذه كلُّها في النحو، لذلك النحو لا ينفكُّ عن
المنطق.
v
س: هل أل التي للعهد لا تُعيِّن أن تكون جزئية أو تكون
كلية؟
v
ج: يمكن، لكن ليس على العهد الذي تعرفه المشهور الموجود
في الكتب الذي ربَّما يوجد في الكتاب الذي نشرحه للخالد الأزهري. لكن هناك ما
يُسمَّى بالعهد الخارجي والعهد الذهني، هذا تقسيمُ البلاغيين لا النحويين. هذا يُخالِف
فيه. إنَّما تقسيم النحويين: الذكري والذهني والحضوري، لا يكون إلَّا الجزئي فقط.
هذا على تقسيم النحويين لا البلاغيين.
v
س: إذا وجدنا إشتراكًا في اللفظ، هل نُسمِّيه جزئي؟
v
ج: لا عبرة بالكلام على الألفاظ، انظرْ للمعنَى. هل
تكلمنا في الكلي والجزئي على الألفاظ؟، قلنا: الألفاظ تكون متروكًا تمامًا، لا
نتكلَّم عليها. لابدَّ في الكلي والجزئي من أن نسأل عن المعنَى، من أن ننظُر إلى
المعنى. فأنا عندما قلت: عين، كان عليك أن تسأل ما معناها؟. أقول لك معناها:
الذهب، هذا معنًى من معاني العين. هذا كلي أم جزئي؟ كلي.
v
انظرْ، هناك لفظ إنسان له معنًى هو الحيوان الناطق، وهذا
المعنَى له أفرادٌ يصدُق عليها مثل؛ زيد وبكر وعمرو. طيب، هناك لفظ زيد، هذا اللفظ
سُمِّي به أفراد، مثلا: ثلاثة، شخص الأول والثاني والثالث سُمِّيت بزيد. الذي
يُشكل عليك وربَّما يُشكِل على البعض أنَّ هذا (إنسان) قد اشتركت فيه أفراد، و(زيد) هذا اشتركت فيه أفراد، لماذا قلنا هذا جزئي وهذا كلي؟.
فهذا اشتراكٌ في المعنَى، اشتراك معنوي يعني اشتراك في المعنى. وهذا اشتراك لفظي،
في اللفظ. المُعتبَر في الكلية والجزئية هو الإشتراك المعنوي، اللفظي؟ لا، هذا
مبحث اللغوي، لا دخل للمنطقي به. المُعتبَر في الكلي هو الإشتراك المعنوي، وأمَّا
الإشتراك اللفظي فيُمكِن أن يكون جزئيًّا أو أخرى.
v
ننظر إلى المعنى، لفظ زيد صدق على هذا الفرد وعلى هذا
الفرد وعلى هذا الفرد، هل بمعنًى واحد أم بمعاني؟ بمعاني؛ هذا له معنًى، وهذا له
معنًى، وهذا له معنًى. لا يُمكِن أن ننظُر إلى جميع المعاني لأنَّه يكون مشتركا
لفظيًّا ولا دخل للمنطقي به. ننظُر إلى زيد من ناحية هذا المعنى، كلي أو جزئي؟ جزئي؛
لأنَّه لا يقبل التحقُّق إلَّا في هذا الفرد فقط. وننظر إلى زيد من ناحية هذا
المعنَى، جزئي أو كلي؟ جزئي.
v
طيب، لفظ زيد سَمَّيتَ به فردًا (شخص)، وسمَّيتَ بزيد ماهية الحيوان الناطق. هذا مُشترَكٌ
لفظي أم لا؟ نعم؛ لأنَّه إشتركت فيه معان؛ معنى الذي هو الحيوان الناطق المتشخِّص
الذي هو هذا الفرد، ومعنًى آخر هو الحيوان الناطق. يكون كليًّا أو جزئيًّ؟.
v
قلنا في السؤال عن الجزئي والكلي لابدَّ من أن ننظُر إلى
المعنى، أقول: زيد كلي أو جزئي، اسئل عن المعنَى؛ زيد هذا ما معناه، المعنَى هو
الذي يُرشِدني هل هو كلي أو جزئي. نقول: ما معناه؟، هل هو المعنى الأول؟ جزئي؛
لأنَّه لا يقبل التحقُّق إلَّا في فردٍ واحد. تقصد بزيد المعنَى الثاني الذي هو
الحيوان الناطق، فكلي. زيد مرَّةً كان كلي ومرة كان جزئي؟، لا، لم يتَّحِد الكلي
والجزئي في شيءٍ واحدٍ، لماذا؟ لأنَّ الكلية والجزئية باعتبار المعنَى، وهذا
المعنَى هو الذي كان جزئيًّا وهذا المعنَى هو الذي كان كليًّا، أين المعنى الواحد الذي
حكمنا عليه بالجزئية والكلية؟، تقول زيد فقط حكمنا عليه بالجزئية والكلية، قلنا:
الجزئية والكلية للمعاني ليست للألفاظ. سمِّ ما شئتَ من المعنى، سمِّ معان جزئية
بلفظٍ ومعان كلية بنفس اللفظ، هذا لا يُغايِر شيئًا، هذا لا يُصيِّر المعنَى الكلي
جزئي ولا الجزئي كلي، ولا يُصيِّر اللفظ كليًّا ولا جزئيًّا؛ لأنَّ اللفظ لا يصحُّ
للكلية والجزئية في حقيقتِه.
v
س: إذا نقول: زيد حيوان ناطق، قيدنا حيوان ناطق بزيد، يصير
كليا؟
v
ج: زيد، أنت تقصد به شخص تعرفه، ثُمَّ وصفتَه بأنَّه
حيوان ناطق. هذا خذ معناه لا يقبل التحقُّق إلَّا في فردٍ واحد لأنَّك قلت: أنا
أقصد بزيد شخصًا من الأشخاص. وصفُه بهذا (حيوان ناطق) لا يُصايِره كليًّا؛ لأنَّه ما المانع أن نقول: زيد
كاتب وكاتب كلي، ما المانع أن تصِف الجزئي بكلي؟. لكن لا يُمكِن أن تصِف الكلي
بجزئي، لا يُمكِن أن تقول: الإنسان زيد. لكن إذا قلت: زيد إنسان، هل هذا يُصيِّر
زيدًا كليًّا؟ لا، الوصف شيء والمعنَى شيء آخر. فقولك: حيوان فقط في هذا التركيب،
حيوان فقط كلي، ناطق فقط كلي، مجموع حيوان ناطق كلي، زيد فقط جزئي. طيب، مجموع زيد
مع هذه لا يُحكَم عليه؛ لأنَّه تركيب، له حكم لكن تعرُّض له الآن من الصعوبة.
v
س: نقول: باعتبار الواضع (زيد) لشخص واحد؟
v
ج: لا دخل لنا بواضع وبغير واضع، أنا أسأل المتكلم: ما
الذي تقصده باللفظ؟. دعْك من معنًى وُضع له اللفظ أو لم يوضعْ. المهم، ما المعنَى
الذي قصدْته باللفظ، ثُمَّ انظر بعد ذلك في هذا المعنى هل يصدُقُ على كثيرين؟، هل يقبل
التحقُّق في كثيرين؛ في فردين فأكثر أم لا؟. كان هذا المعنى معنًى اخترعه، معنًى
وضعَه واضع، معنًى صحيح، معنًى فاسد، لا يعنينا.
v
يعني أن أعرف ما معنى اللفظ. أتى بمعنًى فاسد، قال: زيد،
قلت له: ماذا تقصد بزيد، قال: الكتاب. هذا معنى فاسد لا يُوجَد أحد سَمَّى كتاب
بزيد، هذا معنى فاسد. هذا لا يعنينا. أحكم على المعنى الذي قاله هل هو كلي أو
جزئي، أقول له: تقصد هذا الكتاب أو كل كتاب، قال: لا، زيد عندي معناه كل كتاب، قال
له: كلي. هو يتكلَّم عن معنى فاسد، ما دخل لي بكون المعنى فاسد أو ليس بفاسد. أتى
بمعنًى؛ كهذا الفاسد ليس موضوعًا، هو اصطلح، وضعه من نفسه أيضًا، كلي.
v
قال: أقصِد هذا الكتاب بعينه، قلت له: هو جزئي. لا دخل
بفاسد المعنَى ولا بصلاحه، لا دخل بواضع المعنى ولا بعدم الواضع، لكن يحسُنُ أن
نتكلَّمَ في أبواب العلم عن الأمور الصحيحة المضبوطة، نتكلَّم عن موضوعات. وهذا
أيضا موضوع، هو وضعه واخترعه. المهم أن يقول: أقصد بهذا اللفظ كذا كذا، ثُمَّ نحكم
على المعنى الذي أراده.
v
س: الفرق بين المعنى والحقيقة؟
v
ج: المعنَى قد لا يكونُ حقيقة، الحقيقة أى: ما يتحقَّق
به الشيء. لكن المعنى المراد به: ما يُفهَم من اللفظ، وما يُفهَم من اللفظ قد
يتحقَّق به الشيء وقد لا يتحقَّق. قد يتحقق، أن نقول: ما المراد بضاحك، المراد
بضاحك –أنت تعرف الضاحك- يوافِق به هذا المعنى الذي تعرفه، هل هذا المعنى يُحقِّق
شيئًا؟، يُحقِّق الإنسان؟، هل هذا يُحقِّق ماهيةً في الخارج؟ لا يُحقِّق، وإنَّما
الحيوان والناطق يُحقِّقان للإنسان.
v
اللون، مثلا تقول: أبيض، أسود. أبيض ما معناه؟ ذات
مُتَّصِف بالبياض، أسود؟ ذات متصف بالسواد. هل البياض والسواد يُحقِّقان ماهية؟ لا
يُحقِّقان ماهية. هذا يحتاجُ منك ليُفهم فهما جيدًا إلى الفلسفة وعلم الكلام.
فذاتٌ لها بياض، هذا معنَى أبيض، لكن ليس ماهيته.
v
س: هل نقول في زيد –مشترك لفظي- مشترك فيه؟
v
ج: نعم، لأنَّ زيد اشتركت فيه ثلاثةُ أفراد، فزيد
مُشترَك بفتح الراء أى: فيه، على الحذف والإصالة، حذف الجر وإيصال الضمير باللفظ
يعني: مُشترَكٌ فيه. كم شيء؟ مشترك، وفي، والضمير. حذفنا (في) وألحقنا الضمير وجعلناه مستتِرًا في المشترَك. هذا
الحذف والإيصال؛ حذف الجر وإيصال الضمير باللفظ.
v
طيب، هذا (زيد) سُمِّي مُشتركًا فيه لماذا؟ لأنَّه قد اشترك فيه الفرد الأول والثاني
والثالث أو المعنَى؛ لأنَّ الكلام على اللفظ. من الأحسن أن تقول: المعنى الأول
اشترك في اللفظ، المعنى الثاني اشترك في اللفظ، المعنى الثالث اشترك في اللفظ.
وأمَّا في الكلي يكون الكلام في المعنَى، تقول: الفرد الأول اشترك في المعنى،
الفرد الثاني اشترك في المعنى، الفرد الثالث اشترك في المعنى. فهذا (إنسان) قد اشتركت الأفراد في معناه فكانت اشتراكًا معنويًّا.
وهذا اشتركت المعاني في لفظه فكانت اشتراكا لفظيًّا.
***
لاتمام الموضوع ولمزيد الفائدة اضغط موقع الشيخ في اليوتوب أو الفيس بوك...
Comments
Post a Comment