Skip to main content

فصل في مباحث الألفاظ

https://www.facebook.com/dar.alghazali
بسم الله الرحمن الرحيم
[1]قال المصنِّف والشارح رحمهما الله ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين، آمين:
فصل في مباحث الألفاظ
ثم قال:
مستعمل الألفاظ حيث يوجد
*
إمَّـــــا مركَّب وإمَّـــــا مفـرد
فأوَّلٌ مـــا دلَّ جـــزؤه علـــى
*
جـزء معــناه بعــكس ما تـلا
وهو على قسمين أعني المفردا
*
كلِّـيٌّ أو جزئـيٌّ حيث وجــدا
فمــفـهــم اشــتـراك الكــلِّـيُّ
*
كـأســد وعكــسـه الجــزئـيُّ
أقول: اللفظ إمَّا أن يكون مهملا؛ كديز، أو مستعملا؛ كزيد، ولا عبرة بالمهمل ولذلك أهمله المصنِّف.
ثُمَّ المستعمل إمَّا أن يكون مفردًا، وإمَّا أن يكون مركَّبا.
فالأوَّل: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه؛ كزيد.
والثاني ما دل جزؤه على جزء معناه؛ كزيد قائم.
والكلام على المركَّب بقسميه –أعني ما هو في قوَّة المفرد، وما كان محضا- يأتي في المعرِّفات، والقضايا، والأقيسة.
والمقصود هنا المفرد، وهو قسمان:
1)      جزئي: إن منع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛ كزيد.
2)      وكلي: إن لم يمنع تصوُّر معناه من وقوع الشركة فيه؛ كالأسد، وهو ستَّة أقسام:
1.       كلي لم يوجد من أفراده فرد،
2.       وكلي وُجِد منها فرد،
3.       وكلي وجد منها أفراد، وكل واحد من هذه الثلاثة قسمان:
الأوَّل: وهو الذي لم يُوجَد من أفراده فرد، إمَّا مع استحالة الوجود؛ كاجتماع الضدين، أو مع جواز الوجود؛ كبحرٍ من زئبَقَ.
والثاني: وهو الذي وُجِد من أفراده فرد، إمَّا مع استحالة التعدُّد؛ كالمعبود بحق، أو مع جواز التعدُّد؛ كشمس.
والثالث: وهو ما وُجِد منه أفراد، إمَّا مع التناهي؛ كإنسان، أو مع عدم التناهي؛ كنعيم أهل الجنَّة، أو كمال الله تعالى.
فائدة:
اللفظ يُوصَف بالأفراد والتركيب حقيقة، ووصف المعنى بهما مجازا. والمعنى يُوصَف بالكليَّة والجزئيَّة حقيقة، ووصف اللفظ بهما مجاز.
فإن قلت: كان الأولى للمصنِّف أن يُقدَّم المفردَ على المركَّبِ؛ لأنَّه جزؤه، والجزء مقدَّم على الكل طبعا؟
فالجواب: أن معنى المركب ثبوتي، ومعنى المفرد عدمي، والإثبات أشرف من النفي فقدَّمه عليه لذلك، وهذا يُجَاب عن تقديمه الكلي على الجزئي.
وقوله: ((*على جزء معناه)) بتحريك الزاي بالضمِّ، كما قرأ به شعبة من رواية عاصم.
***


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.
أمَّا بعد: بعد أن ذكر المصنِّف رحمه الله تعالى الدلالة، وتكلَّم على تعريفها وعلى أقسامها وذلك لتوقُّف إفهام اللفظ للمعنى على دلالته، شرع في الكلام على الألفاظ وقسَّمها إلى مفرد ومركَّب. ثُمَّ قسَّم المفرد بعد ذلك باعتبار معناه إلى كلِّيٍّ وجزئيٍّ، فقال ((*مستعمل الألفاظ حيث يوجدُ)).
فقوله: ((*مستعمل الألفاظ)) من إضافة الصفة للموصوف، فـ مستعمل صفة للَّفظ أى: الألفاظ المستعملة. فقوله: ((*مستعمل الألفاظ))، أى: الألفاظ المستعملة، فقد أضاف الصفة التي هي مستعمل إلى الموصوف الذي هو الألفاظ، وهذا يُفهِم أنَّ الألفاظ تنقسم إلى: مستعمل وإلى قسم آخر وهو المهمل.
فاللفظ: هو الصوت المعتمد على مخرج أو المشتمل على بعض الحروف الهجائية، ينقسم هذا اللفظ إلى موضوع ومهمل؛ لأنَّه إن عُيِّن ووُضِع هذا اللفظ بإزاء معنى سُمِّي موضوعًا بأن يأتي الواضع ويقول: هذا اللفظ كزيد أو كلفظ كتاب وضعته للصحائف التي يُكتَب فيها، فهذا يُسمَّى لفظا موضوعا.
وأمَّا اللفظ الذي يُهمَل ويُترَك بأن لا يُجعَل بإزاء معنى فيُسمَّى مهملا؛ كديز، فإنَّ هذا اللفظ لم نر من وضعه لمعنى. ولو فرضنا أنَّه وُضِع لمعنى كان مستعملا في اصطلاح من وضعه. وأمَّا الموضوع؛ كزيد، فإنَّه وُضِع لشخص.
هذا تقسيم اللفظ إلى موضوع ومهمَل، والموضوع أو اللفظ الموضوع يجرُّنا للكلام على الوضع وتكلَّمنا عليه في النحو وفي هذا الكتاب في شرح سابق. وهناك اللفظ المستعمل، والإستعمال: هو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى أو إطلاق اللفظ ليُفهَم معناه.
فإذا أطلق إنسان لفظا وقال: جاء زيد، هذا لفظ أطلقه أى: تكلَّم به وأسمعه للآخر وأراد معناه –أراد معنى هذا اللفظ- سُمِّي هذا اللفظ مستعملا. لماذا؟ لأنَّ المستعمل هو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، وهذا قد أطلقه وأراد معناه. ولا يمكن أن يكون الإستعمال إلَّا للفظ الموضوع؛ لأنَّه لا يمكن أن يطلِق لفظا مهملا ويُرِيد معنى، لابدَّ من تعيينه أوَّلا –لابدَّ من أن يُعيِّن هذا اللفظ يقول: عيَّنت هذا اللفظ لمعنى- ثُمَّ يطلِقه.
لكن يُطلِق هذا اللفظ وهو لم يُعيَّن لمعنى من المعاني، يمكن أن يطلقه بأن يقول: ديز، كيف يريد معناه؟، ما معناه؟، فالإستعمال فرع الوضع.
فإذا رأينا لفظا وُضِع لمعنى أى: عُيِّن وجُعِل بإزاء معنى كان موضوعا، فلو لم يتكلَّم بهذا اللفظ أحد لكان اللفظ موضوعا فقط؛ لأنَّه عُيِّن بإزاء معنى. ولا يُسمَّى مستعملا؛ لأنَّه لم يُطلَق ويراد به المعنى.
وإذا وُضِع هذا اللفظ كان موضوعا، وإذا أُطلِق كان مستعملا أييضا. إذن هناك فرق بين المستعمل والموضوع. هناك ألفاظ موضوعة فقط لم تُستعمَل، وضعها الواضع لكن الناس أو العرب لم يستعمل لفظا منها فتكون موضوعة لا مستعملة.
فقول المصنِّف رحمه الله: ((*مستعمل الألفاظ))، أى الألفاظ المستعملة، لم يُرِد به الإستعمال في الإصطلاح الذي ذكرناه وهو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، وإنَّما أراد به الموضوع.
فقوله: ((*مستعمل الألفاظ))، أى: موضوع الألفاظ أو الألفاظ الموضوعة. وليس معنى كلامه: الألفاظ التي وُضِعت وأطلِقت وأُرِيد معناه، لا، لا يقصد هذا، بل يُرِيد اللفظ الذي عُيِّن بإزاء معنى سواءٌ استُعمِل أو لم يُستعمَل، سواء تكلَّم به الشخص أو لم يتكلَّم به أحد.
لماذا قلنا قصد بالمستعمل الموضوع؟ لمقابلته بالمهمَل ويُؤخَذ هذا من كلام الشارح ولا يقابل المهمَل إلّا الموضوع، أمّا المستعمل فيُقابِل غير المستعمل. فمن المقابلة علمنا أنّه أراد بالإستعمال الوضع لا الإستعمال بالمعنى الذي أتينا به. ففيه تجوُّز، إطلق الإستعمال وأراد الوضع.
***
v       س: هل الوضع يكون في كل لغة؟
v       ج: نعم، الوضع يعمُّ جميع اللغة؛ لأنَّه جعل اللفظ بإزاء معنى، إلَّا إذا قلت: الوضع العربي.
v       س: ما الفرق بين زيد وديز؟
v       ج: زيد لفظ وديز لفظ فاشتركا في كونهما لفظين، وهذا مُؤلَّف من ثلاثة حروف، وهذا مؤلَّف من ثلاثة حروف، إلَّا أنَّ هذا –هو ديز- لم يوضع لمعنى، ما جاء واضع وقال: هذا اللفظ جعلته بإزاء معنى من المعاني؛ كلفظ قلم وضعه واضع بإزاء هذه الآلة، كلفظ كتاب واضع وضعه وعيَّنه بإزاء هذا الكتاب، أو هذا الشيء. هبْ أنَّ الواضع لم يُعيِّن لفظ كتاب لهذا الجرم ولم يُعيِّنه لمعنى من المعاني لكان مُهمَلا، فإذا سمعت لفظ كتاب لا تفهم منه شيئا، بخلاف الآن تسمع الكتاب وتفهم منه هذا الشيء؛ لأنَّه عيَّنه ووضعه.
v       فـ(ديز) لم يوضع و(زيد) وضع ،سُمِّي به شخص، كتاب وضع وسُمِّي به هذا الشيء، قلم وضع سمِّيت به هذه الآلة وهكذا.
v       س: هل اللفظ أعمُّ من الإستعمال؟
v       ج: لا، بينه وبين الإستعمال تباين، لكن بينه وبين المستعمل عموم وخصوص. هناك فرق بين الإستعمال والمستعمل، اللفظ بينه وبين الإستعمال –المصدر- تباين، وبينه وبين المستعمل عموم وخصوص مطلق، اللفظ أعمُّ منه.
v       الإستعمال مصدر أن تطلق، لاشكَّ أنَّ الإطلاق –وهو فعل الشخص- ليس داخلا في ماهية الصوت وليس مندرِجًا في ماهية اللفظ فكيف بينهما عموم وخصوص؟، هذا مباين، هذه –الإستعمال- ماهية واللفظ ماهية أخرى. لكن المستعمل يختلف عن الإستعمال؛ لأنَّ المستعمل هو لفظ، غاية ما في الأمر أنَّه وُضِع وأُطلِق، فاتَّصف بصفتين زائدتين على اللفظ مطلقا.
v       بين الإستعمال والوضع، الإستعمال أخص من الوضع، والمستعمل أخص من الموضوع. تريد تأتي بالنسب، تأتي بين مشتق ومشتق، بين مصدر ومصدر. لكن بين مصدر ومشتق؟ لا، تباين دائما إلَّا إذا كان المصدر اسما. فهنا تقول بين المستعمل والموضوع عموم وخصوص والمستعمل أخص، وبين الإستعمال والوضع –تأتي بالمصدر والمصدر- عموم وخصوص.
v       س: هل اللفظ المهمل يُهمَل في لغة وموضوع في لغة؟
v       ج: هذا يرجع إلى الإرادة، أنت تقول: ديز مهمل تريد لغة من؟، المهم اللغة التي تريدها، هذا بالنسبة لكلامنا هنا في المنطق. أمّا إذا تكلمت في علم النحو فلا اعتداد إلَّا بلغة العرب فقط، فكل كلام يذكره النحوي أو لغوي لا يكون مقصودا به إلَّا لغة العرب. لكن إذا كنت تتكلم هنا –هذا منطق- ما ذكروا فيه قيد الوضع العربي؛ لأنَّ المنطق يعمُّ جميع العقول ويعمُّ جميع الأمَم، فلذلك لا يحتاجون إلى هذا. بخلاف علماء النحو واللغة.
***
إذن اللفظ ينقسم إلى موضوع ومهمل، وعلقنا أنَّ الشيخ استعمل لفظ مستعمل بمعنى موضوع، لا المستعمل بالمعنى الذي ذكرناه. ثُمَّ قسَّم الموضوع إلى مفرد وإلى مركَّب، قال: ((*مستعمل الألفاظ حيث يوجد *إمَّا مركَّب وإمَّا مفرد))، و((*إمَّا)) للتقسيم.
ثُمَّ قال: ((*فأول ما دلَّ))، أى: المركب، ((*جزؤه على *جزء معناه بعكس ما تلا))، أى: بعكس الذي تلاه، ما الذي تلا المركب؟ هو المفرد، أى المركَّب مُلتبِس بعكس المركَّب أى: المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه.
إذن بدأ الشيخ بتعريف المركَّب فقال: ((*ما دل جزؤه على جزء معناه)) دلالة مقصودة، هذا تعريف المركب تام. التام صفة للتعريف وليس للمركَّب؛ لأنَّ الشيخ لم يذكر قيد الدلالة المقصودة.
((*ما))، أى: لفظ موضوع، ولك أن تقول: لفظ فقط، ولك أن تقول: موضوع فقط. والأحسن موضوع أو لفظ موضوع.
((*ما))، أى: لفظ موضوع ((*دلَّ)) ويمكن أن تحذف الوضع لدلالة لفظ دل عليه، فلذلك في أكثر الكتب يقولون: ((*ما)) واقعة على لفظ.
((*ما))، أى: لفظ ((*دل)) هذا اللفظ. دلالته فرع وضعه؛ لذلك ذكرنا أنَّ التقسيم إلى مفرد ومركب يكون للموضوع ولا يدخل فيه المهمل.
ما دلَّ جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة. مثلا: زيد قائم، هذا لفظ مركَّب؛ لأنَّه قد (دل جزؤه) أى: جزء اللفظ (على جزء معناه) أى: معنى اللفظ. إذن نحتاج لتحقيق هذا الكلام إلى وجود لفظ، وإلى وجود جزء له، وإلى وجود معنى لهذا اللفظ، وإلى وجود جزء لهذا المعنى.
زيد قائم، هذا هو اللفظ، تحقق ووُجِد.
جزؤه؟، نعم، له جزء هو زيد وقائم، فزيد جزء زيد قائم وقائم جزء زيد قائم.
هذا اللفظ –هذا التركيب- له معنى؟، نعم، هو الحكم على زيد بالقيام هذا هو المعنى الذي بهذا التركيب.
هل لهذا المعنى جزء؟ نعم، له جزء: الحكم، ويعرض به هنا النسبة، وزيد، والقيام أو وقائم. فهذه أجزاء المعنى؛ لأنَّنا لا نتكلَّم هنا على لفظ الحكم، ولا لفظ زيد، ولا لفظ قائم، الكلام على الشخص، على معنى القيام الذي تحقق في هذا الشخص، على تلبُّس القيام بزيد التي هي نسبة.
إذن تحقَّق لفظ، وجزء للفظ، ومعنى، وجزء للمعنى. فنقول: هذا اللفظ دلَّ جزؤه وهو زيد على جزء معناه وهو الشخص –الشخص معنى وليس لفظا-. نقول: هذا اللفظ دلَّ جزؤه وهو قائم على جزء معناه –معناه هنا راجعة للفظ بتمامه لا لمعنى اللفظ الواحد- فهذا قائم جزء للفظ زيد قائم، ودل هذا الجزء من اللفظ على جزء معنى اللفظ بتمامه.
ما هو معنى اللفظ بتمامه؟ هو الحكم على زيد بالقيام، ولاشكَّ أنَّ معنى قائم فقط جزء لهذا المعنى وهو القيام أو قائم، القيام المتلبس بذات مطلق. فلذلك كان هذا اللفظ مركَّبا؛ لأنَّه قد تحقَّق فيه تعريف المركَّب وهو لفظ وهذا اللفظ دلَّ جزؤه على جزء معناه، إلى هذا الحد تكلَّم الشارح ولم يزد.
ثُمَّ قلنا: (دلالة مقصودة) أى: لابدَّ في هذه الدلالة –في دلالة اللفظ على جزء معناه أو في دلالة جزء اللفظ-؛ لأنَّه يقول: دل جزؤه على جزء معناه. فلابدَّ من أن تكون دلالة جزء اللفظ على جزء المعنى مقصودة.
فمثلا: سُمِّيت إنسانا بـ(الحيوان الناطق)، فهذا لفظ له جزء، ما معناه؟ هو الشخص، إيَّاك أن تقول: معناه الجسم النام الحساس المتحرك بالإرادة المتفكِّر، إيّاك أن تقول ذلك؛ لأنَّه جعل هذا اللفظ بتمامه بإزاء شخص. فما معناه؟ هو الشخص؛ كما نقول: (جاء زيد) ونفهم منه الشخص، كذلك نقول: (جاء الحيوان الناطق) ونفهم منه الشخص وليس الإنسان. فهذا أى: الحيوان الناطق عَلَمْ، هذا المركَّب جُعِل علما على شخص.
قال: (ما) أى: لفظ، هذا اللفظ (دلَّ جزؤه)، له جزء وهو الحيوان والناطق وجزؤه دال على معنى أم لا؟ الحيوان يدل والناطق يدل؛ الحيوان يدل على جسم نام حسَّاس متحرِّك بالإرادة، والناطق يدل على معنى هو الذات تلبس به النطق. إذن له جزء وجزؤه دال. وهل هو دال على جزء معناه؟، ما معناه؟ هو الشخص، هل الحيوان جزء الشخص؟ نعم، سواء باعتبار وضعه الجديد أو وضعه السابق –لا يتغيّر هذا الأمر-؛ لأنَّ الشخص جزؤه الحيوان وجزءه الناطق سواءٌ قلت بوضع العلمية أو بوضع الوصفية، فبعد الوضع هذا اللفظ (الحيوان الناطق) لهذا الشخص.
نقول: هذا اللفظ أو هذا الشخص له جزء هو الحيوان وجزء هو الناطق، ووضع هذا اللفظ (الحيوان الناطق) لهذا الشخص، لا ينفي عن الشخص أن يكون حيوانا وناطقا. هذا الشخص ما ماهيته؟ ماهيته حيوان وناطق؛ لأنَّه إنسان فلاشكَّ أنَّ الشخص فيه حيوانية وهي مدلول جزء اللفظ الذي هو الحيوان الناطق، وفيه ناطقية وهي مدلول جزء اللفظ.
فهذا اللفظ دال أو دلَّ جزؤه وهو الحيوان فقط والناطق فقط على جزء معناه وهو الشخص. دلَّ الحيوان على جزءه (الشخص) أم لا؟ دل على الحيوانية في هذا الشخص، ودل الناطق على جزء هذا الشخص أم لا؟ نعم؛ لأنَّه حيوان ناطق واللفظ حيوان ناطق، فالحيوان الناطق يدل على هذه الماهية.
هو موضوع للشخص وليس موضوع للماهية، نعم، هذا لا ينفي أنَّ هذا المعنى موجود في الشخص بقطع النظر عن القصد وعدمه. إلى هذا الحد، التعريف متحقِّق في الحيوان الناطق علما على الشخص. مع أنَّ هذا وهو الحيوان الناطق علما ليس مركبًّا عندهم، بل هو مفرد.
فخرج بقيد (دلالة مقصودة) أى: لابدَّ وأن يقصد المتكلِّم دلالة جزء اللفظ على جزء معناه، وهو هنا لا يقصد ذلك. بل وضع الحيوان الناطق بتمامه للشخص ولا يقصد أن يقول: الحيوان لوجود الحيوانية فيه، الناطق لوجود الناطقية فيه. لا، لا يقول ذلك، فعنده الحيوان الناطق؛ كزيد لا جزء له يُسمَّى بالحيوانية ولا جزء له يُسمَّى بالناطقية، أو نقول: له جزء عنده لكنه لا يقصد دلالته. فلذلك تقول للشخص المتكلِّم بقوله جاء الحيوان الناطق، رأيت الحيوان الناطق، مررت بالحيوان الناطق، تقول له: ماذا تريد؟، تريد الحيوانية والناطقية؟ لا، أنا أريد الشخص، لا أقصد أنَّ جزءه الحيوانية وجزءه الناطقية.
بخلاف إذا وصفت شخصا بأنَّه حيوان ناطق، شخص يُسمَّى بزيد وصفته بالحيوان الناطق، قلت: زيد حيوان ناطق، ماذا تريد من هذا؟، أنت تريد أن تقول: فيه الحيوانية وفيه الناطقية، إذن قصدت دلالة جزء اللفظ على جزء معناه أم لا –هذا في الوصفية لا العلمية-؟ نعم قصدت أن تقول فيه الحيوانية وفيه الناطقية، هذا في الوصف عند تصف وتقول زيد حيوان ناطق.
لكن عندما تُسمِّيه، عندما تضع هذا اللفظ لهذا الشخص علما أنت لا تقصد أن تقول: فيه حيوانية وفيه ناطقية، ولَمَّا تجعل هذا (الحيوان الناطق) بتمامه علما عليه وعلامة؛ كما إذا وضعت بيتا كاملا من الشعر لهذا الشخص، تُسمِّيه بالمُنطلِق زيد مثلا، معنى الإنطلاق ليس فيه، بل رُبَّما لا يكون قد انطلق فيه يوما من الأيام ومعنى زيد ليس فيه، إذن ماذا قصدت بهذا؟ أنا قصدت بالمُنطلِق زيد بتمامه شخصا ما، دون النظر إلى أنَّ المُنطلِق دلَّت على معنى كذا أو زيد دلَّ على معنى كذا، وإنَّما أقصد الدلالة لمجموع اللفظ.
فلذلك قلنا: هذا وهو الحيوان الناطق علما –لابدَّ من هذا التقييد- خرج بقولنا في التعريف: دلالة مقصودة، ولولا هذا القيد لدخل الحيوان الناطق علما في المركَّب مع أنَّه مفرد باتِّفاق.
***
v       س: مالفرق بين الحيوان الناطق كلفظ والشخص؟
v       ج: نعم، هناك فرق كبير. اللفظ ماهيته صوت، والشخص ماهيته الحيوان الناطق. شخص اسمه زيد، مالفرق بين زيد الذي هو اللفظ والشخص؟ فرق كبير، الشخص حيوان ناطق إنسان، وزيد الذي هو اللفظ صوت. هذه ماهية وهذه ماهية، غاية ما في الأمر أنَّه رُبِط بينهما؛ بين زيد وبين الشخص بالدلالة بالوضع.
v       كذلك هنا، الحيوان الناطق لفظا، نقصد اللفظ لا المعنى، وُضِع هذا اللفظ لهذا الشخص علما لا وصفا. فعندما يطلق متكلِّم على هذا اللفظ على أنَّه علم يقول: جاء الحيوان الناطق، رأيت الحيوان الناطق، مررت بالحيوان الناطق، لا يقصد في هذا الإطلاق جاء من تحققَّت فيه الحيوانية ومن تحقَّقت فيه الناطقية. وإنَّما يقصد بقوله: جاء الحيوان الناطق، جاء هذا الشخص دون النظر إلى تحقُّق الحيوانية فيه وتحقُّقِ الناطقية فيه.
v       س: غلام زيد في قولنا: جاء غلام زيد، هذا مفرد أم مركب؟
v       ج: جاء غلام زيد، ماذا تقصد بغلام زيد؟، هل تقصد الوصفية –أن يصف هذا الشخص بأنَّه غلام لزيد- أم قصد العالمية بأن يكون الشخص مُسمَّى بغلام زيد؟ الوصفية، مركب. غلام زيد هذا مركب إضافي، غلام مضاف وزيد مضاف إليه.
v       أولا هل هذا لفظ؟ نعم، هل هذا له جزء؟ نعم له جزء، هل له معنى؟ نعم له معنى، ما هو؟ الغلام المُختصُّ بزيد، وهل المعنى له جزء؟ نعم، له جزء؛ جزؤه الإختصاص الذي تدل عليه الإضافة، وجزؤه غلام، وجزؤه زيد. وهل دلَّ جزء اللفظ على جزء المعنى؟ نعم؛ لأنَّ لفظ غلام وهو جزء غلام زيد دلَّ على الغلام الشخص الموجود في الخارج لا على لفظ غلام، وجزؤه الثاني وهو زيد دلَّ على الشخص المالك. فإذن جزؤه دل على جزء المعنى. وهل قصد المتكلِّم ذلك؟ نعم، قصد أن يقول: هذا الغلام مختصٌّ لزيد وليس مختصًّا بعمرو أو ببكر أو بخالد. فيكون هذا اللفظ وهو غلام زيد –وصفا- لفظا دالا أو دلَّ جزؤه على جزء معناه ودلالة الجزء على جزء معناه مقصودة للمتكلِّم. بخلاف ما إذا كان علما –سيأتي-.
v       س: لماذا ترك الشيخ القيد الأخير؟
v       ج: لا أدري، لكن لعلَّه تركه؛ لأنَّ هذا الشرح للمبتدئين ورُبَّما يصعب عليهم فهم ذلك، الله أعلم. وربَّما لأنَّ المصنِّف لم يأت به، لكن هذه لا تكون حجة؛ لأنَّه لو لم يأت المصنِّف بشيء –أو صاحب المتن-، على الشارح أن يُتمِّم ذلك. المصنِّف لم يأت بدلالة مقصودة، قال الشيخ الأخضري في شرحه: ((اعلم أنَّ اللفظ قسمان: مهمل؛ كأسماء حروف الهجاء، ومستعمل. وهو قسمان: مركَّب وهو ما دلَّ جزؤه على جزء معناه، وهو تقييدي نحو: الحيوان الناطق وهو المفيد في اكتساب التصوّر الخ. ومفرد وهو عكس المركب أى: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه؛ كزيد، وقام، وهل، وهي أقسام المفرد الثلاث؛ لأنَّه الخ)). فقط، ما تكلَّم أكثر من ذلك. صاحب المتن لم يأت بالقيد، لكن أيضا هذا لا يمنع الشيخ الدمنهوري أن يُتمِّم التعريف.
v       س: قوله: ((*ما دل جزؤه)) يحتمل أن يكون الزاي من زيد بلفظ؟
v       ج: المهم أن يُوجَد جزء دال، هذا هو المهمّ. نظرنا في زيد قائم، رأينا له جزء هو زيد ودال وقائم ودال، نكتفي بهذا. هذا هو المهمّ. له جزء، الزاي من زيد والياء من زيد والدال من زيد والقاف من قائم الخ، وهذه الأجزاء ليست دالَّة. ليس مشكلة، المهمّ أن يُوجَد له جزء. ما قالوا: ما دلَّت جميع أجزاءه، وإنَّما قالوا: ما دلَّ جزءه. وهذا يصدق بما إذا دلَّت جميع الأجزاء أو دلَّ بعضها، بخلاف المفرد فلا يدلُّ منه جزء أصلا.
v       نحن قلنا في المركَّب: من أن يدل لفظ منه –مطلق اللفظ-، لا يُشترَط أن يدلَّ كل جزء، بل يكفي أن يدل جزء منه. فإذا رأينا في زيد قائم أنَّ زيد قد دلَّ وقائم قد دلَّ.
v       قال: أجزاء هذه الألفاظ لم تدل، هذا لا يُشترَط. لذلك لم يقولوا: ما دلَّ كلُّ جزء منه، أو ما دلَّ جميعُ أجزاءه، ما قالوا ذلك.
v       وبعضهم كالشيخ الرئيس رحمه الله قال: ((ما دلَّ جزءٌ منه))، بالتنكير؛ ليفيد هذا المعنى. فهذا اللفظ صريح في إفادة هذا المعنى، قال: ((ما دلَّ جزءٌ)). قال: بقي الأجزاء؟، لا يُشترَط هذا، المهم أن يدلَّ جزءٌ. دل جزء واحد، دل جزءان، دل ثلاثة أجزاء، ليس مشكلة. دل جميع أجزاءه، ليس مشكلة. دلَّ جزءٌ أو جزءان وعشرة لم تدل، ليس مشكلة، المهم أن يدل جزءه.
v       س: (مقصودة) هذه صفة لدلالة، لماذا لا نجعلها صفة لمعنى؟
v       ج: (دلالة) قيد لـ(دلَّ)؛ لأنَّه مفعول مطلق، فهو قيد للفعل الذي هو دلَّ، واتصف بـ مقصود؛ للتخصيص، ولبيان نوع من أنواعه. هذا معناه أنَّ هذه الدلالة بعينها مقصودة للشخص المتكلِّم وهذا هو المراد هنا.
v       لكن إذا قلت: معناه المقصود، يمكن أن يكون هذا المعنى المقصود مقصودا لشخصٍ آخر فيتحقَّقُ فيه وصف المقصود، ويمكن أن يكون مقصودا لنفس الشخص في كلام آخر، ما الذي دلَّنا على أنَّنا نقصد القصد في نفس الكلام؟.
v       إذا قلت: على معناه المقصود، المقصود في هذه الدلالة أم في غيرها؟، في هذا الإطلاق أم في غيره؟، لا، كونك تُعيِّن هذا من ذهنك ومن رأسك لا من التعريف. ما الذي دلَّ في التعريف على أنَّ المراد بالمقصود –إذا وصفنا به المعنى المقصود- في نفس الكلام؟، أنت قلت: المعنى المقصود، على معناه المقصود، مقصود في هذا الكلام أم في غيره؟. هنا (الحيوان الناطق) هذا الشخص قال: جاء الحيوان الناطق وقصد به الوصفية يعني جاء من ماهيته الحيوان الناطق، إذن هذا الجزء (الحيوانية والناطقية) مقصود لهذا الشخص أم لا؟ نعم. ثُمَّ قال نفس المتكلِّم بعد ذلك: جاء الحيوان الناطق، وقصد بالحيوان الناطق شخصا –قصد العلمية-، جزء اللفظ مقصود لهذا المتكلِّم أم لا؟ مقصود قُصِد في كلام آخر، فهو موصوف بالقصد. ما الذي يُعيِّنه أنَّه مقصود في هذا الكلام بعينه؟. بخلاف ما إذا قيدتَ دلَّ بالدلالة؛ لأنَّه لا يمكن أن تريد بالقصد أو بمقصودة مقصودة في كلام آخر؛ لأنَّك قيَّدت الفعل.
***
هذا معنى قوله: ((*فأوَّلٌ ما دلَّ جزؤه على *جزء معناه))، وزدنا قيدا مشهورا عندهم وهو: دلالة مقصودة. وبيَّنَّا أنَّ زيد قائم يصدق عليه هذا التعريف بتمامه، وأنَّ الحيوان الناطق لا يصدق عليه هذا التعريف فيخرج بدلالة مقصودة. فكل لفظ تحققت فيه هذه القيود تحقق أو وُصِف أو كان عندهم مركَّبا. نأتي للمفرد.
قال: المفرد (ما لا يدل)؛ لأنَّه قال: ((*بعكس ما تلا)). ويقصد هنا بالعكس المخالِف، ويخالفه بالإيجاب والسلب.
(ما لا يدلُّ جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة).
(ما)، أى: لفظ، هذا اللفظ (لا يدلُّ جزؤُه على جزء معناه دلالة مقصودة). فكل قيد تكلَّمنا عليه في تعريف المركَّب إذا انتفى انتفى المُركَّب وثبت له المفرد، فـ(لا) هنا تنفى كل قيد تدخل عليه.
فمثلا: ذكرنا أنَّه لابدَّ من أن يكون للَّفظ جزء، نفرض أنَّ اللفظ ليس له جزء كـواو (وَ) العطف، و(فَ) فاء التعقيب، و(أ) همزة الإستفهام. هذا (وَ) لفظ أم لا؟ نعم؛ لأنَّه صوت اعتمد على مخارج الحروف، هل دل جزؤه على جزء معناه؟ لا، لماذا؟ لانتفاء الجزء. فهذه أوَّل قسم من أقسام المفرد وهو اللفظ الذي لا جزء له؛ لأنَّه اذا انتفى جزؤه انتفت باقي القيود. كيف لا يكون له جزء ونقول جزؤه دل أو لا يدل؟، ليس له جزء أصلا.
الدلالة، قيد أيضا ثابت في التعريف، فإذا أدخلنا عليه النفي وهو لا، يكون المعنى لا يدلُّ جزؤه، بأن وُجِد له جزء ولكن الجزء لا يدل، كـ(زيد).
زيد، لفظ له جزء؟ نعم، إذن اختلف عن واو العطف، وهمزة الإستفهام في أنَّ واو العطف ليس لها جزء وزيد له جزء، إلَّا أنَّ جزء زيد –كل حرف من حروفه ليس موضوعا لمعنى- لا يدل، فانتفى قيد الدلالة. وبانتفاء قيد الدلالة أخرج لنا قسمًا ثانيًا للمفرد.
***
v       س: إذن المفرد يُطلق على اللفظ فقط أم اللفظ الموضوع؟
v       ج: ليس مشكلة؛ لأنَّنا قسَّمنا اللفظ إلى موضوع ومهمل، ثُمَّ قسَّمنا الموضوع إلى مفرد ومركب، فتأخذ في تعريف المفرد والمركب كُلًّا من الموضوع واللفظ، ولك أن تأخذ اللفظ فقط –تأخذ الجنس البعيد-. ما المانع؟. كما عرَّف بعضهم الكلام بأنَّه لفظ مفيد وبعضهم بأنَّه قول مفيد، هذا أخذ الجنس البعيد –الذي قال لفظ- والثاني أخذ الجنس القريب. أخذ الجنس القريب مع الفصل القريب يجعله حدًّا تامًّا، أخذوا الجنس البعيد مع الفصل القريب يجعله حدًّا ناقصًا. المهمّ أنَّه تعريف.
v       س: هل المركَّب يُشترَط أن يكون مفيدا؟
v       ج: ماذا تقصد بالإفادة؟ الدلالة على معنى. لابدَّ؛ لأنَّنا قسَّمنا اللفظ إلى موضوع ومهمل، ثُمَّ قسَّمنا الموضوع إلى مفرد ومركَّب، فكل منهما قسم للموضوع وإذا كان موضوعا كان مفيدا.
v       س: في تعريف المفرد، ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، اللفظ المهمل يخرج بأيِّ قيد؟
v       ج: بمعناه أو بدلالة الجزء؛ لأنَّ كلًّا منهما يدلُّ على أنَّ اللفظ له معنى، هذا إذا جعلت (ما) واقعة على لفظ. أمَّا إذا جعلتها واقعة على موضوع أو لفظ موضوع فيخرج المهمل بالجنس أو لم يدخل أصلا.
***
هناك قسم ثالث للمفرد. هنا –التعريف- يقول: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه. في زيد رأينا أنَّه لفظ له جزء لكن جزؤه لا يدل، لكن هناك لفظ له جزء وجزؤه يدل، إذن تحقَّق فيه الجزء وتحقَّقت فيه دلالة الجزء، لكن دلالة الجزء على معنى ليس جزءا للمعنى الذي وُضِع له اللفظ. إذن انتفى قيد جزء معناه، فهو دال –جزؤه دال على معنى- لكن ليس جزءا للمعنى الذي وُضِع له اللفظ.
مثلا: عبد الله علما، أى: اسما للشخص. هل هو لفظ؟ نعم، وهل له جزء؟ نعم، وهل جزؤه يدل؟، عبد فقط ولفظ الجلالة، هل كل منهما يدل على معنى؟ نعم، عبد يدل على ذات اتصفت بالعبودية ولفظ الجلالة يدل على الذات الواجب –بالتذكير لتعظيم ذات الله سبحانه وتعالى مع أنّ ذات مؤنثة لكن نذكرها بالتذكير تأدُّبًا- الوجود سبحانه وتعالى، فكل من الجزئين دل على معنى فقد تحقَّقت دلالة الجزء.
نحن قلنا: عبد الله علما على الشخص، هذا الشخص ذات قد لا تكون مُتَّصِفةً بالعبوديَّة، بل يكون كافرة أو مسلما ولكنَّه لا يعبد الله، المهمّ أنَّه ذات لم تتصف بالعبودية. فهل هذا المعنى وهو عبد تحقَّق في هذا الشخص؟. هو عبد دل على معنى قطعا لكن هل هذا المعنى جزء لهذا الشخص؟، هو الشخص ماهيته الحيوان الناطق هل فيها الذات المتصفة بالعبودية؟، الذات المتصفة بالعبودية ليست جزءا منه.
طيب، الذات الواجب الوجود سبحانه وتعالى، هل هذا المعنى جزء من هذا الشخص؟، تعالى الله عن ذلك. هذا معنى قولنا: هذا اللفظ جزؤه وإن دلَّ على معنى –كما هنا- إلَّا أنَّ هذه المعاني ليست أجزاء للمعنى الذي وُضِع له اللفظ. ما المعنى الذي وُضِع له اللفظ؟ هو الشخص. هل هذه المعاني داخلة في هذا الشخص؟ ليست داخلة في هذا الشخص. فهذا لفظ له جزء وجزؤه دالٌّ على معنى إلَّا أنَّه ليس دالًّا على جزء معناه؛ لأنَّ معناه الشخص، والشخص هو الحيوان الناطق، وهذه المعاني التي دلَّت عليها الأجزاء ليست جزءا من الحيوان الناطق (علما) –لابدَّ من هذا القيد-، بخلافه وصفا فإنَّه مركَّب.
ما الفرق؟ الفرق أنَّ هذه المعاني التي هي معاني الأجزاء داخلة في المعنى الذي وُضِع له اللفظ عبد الله. عبد الله وصفا وُضِع لأيّ شيء؟ وضع لمعنى، ما هو هذا المعنى؟ هو ذات متصفة بالعبودية للذات الواجب الوجود سبحانه وتعالى، هذا في الوصفية لا في العلمية. تقول: هذا عبد الله، وتقصد الوصف وليس العلم. هذا عبد الله، ما مقصودك بهذا؟ أى: هذا ذات اتصفت بالعبودية للذات الواجب الوجود سبحانه وتعالى.
إذن العبد له معنى ولفظ الجلالة له معنى، هل معنى كل واحد منهما داخل في المعنى الذي وُضِع له اللفظ –الذي هو بتمامه-، هل هو جزء منه؟ نعم، فمعنى عبد جزء من هذا المعنى ومعنى لفظ الجلالة جزء من هذا المعنى، فيكون لفظا دل جزؤه على جزء معناه. ودلالة مقصودة؛ لأنَّك قصدت الوصفية. فيكون عبد الله وصفا مركَّبا وعلما مفردا.
***
v       س: لفظ الجلالة في عبد الله، هل يصح أن يكون الذات الواجب الوجود جزءا لهذا المعنى؟
v       ج: لفظ الجلالة جزء لهذا اللفظ قطعا؛ لأنَّك تقول: عبد الله، الله هو لفظ الجلالة هو جزء من عبد الله هذا بالنسبة للفظ. وبالنسبة للمعنى يصحُّ أن يكون الذات الواجب الوجود جزءا لهذا المعنى؛ لأنَّك اعتبرت معنى من المعاني هو ذات اتصفت بالعبودية للذات الواجب الوجود بتمامه وجزؤه الذات الواجب الوجود. ما المانع؟. أتقول لي: هذا يستلزم التركيب في حقّ الله سبحانه وتعالى، تركيب مع غيره؟ لا، هذه كلها معان اعتبارية ليست حقيقية في الخارج، ليس معنى هذا أنَّ ذات الله سبحانه وتعالى اتَّصفت بشيء وتألَّفت وتركَّبت، لا، ما قلنا ذلك، قلنا: ما الذي قصدته؟ هو هذا التأليف، تأليف ذات الله مع شيء آخر، لكن هل هي في الخارج مؤلَّفة؟ لا. هذا إذا كان تأليفا وتركيبا.
v       س: تقسيم اللفظ الموضوع إلى المفرد والمركَّب، من أيِّ جهة؟
v       ج: من الجهتين، من جهة اللفظ مع المعنى. التعريف المركَّب هنا أخذ أمورا من اللفظ وأمورا من المعنى؛ أخذ من اللفظ كونه مركَّبًا وأخذ من المعنى كونه مركَّبًا، وأخذ منهما كون جزء اللفظ دالًّا على جزء المعنى، فأخذ أمورا من اللفظ ومن المعنى. يعني: لم تتمحَّض هذه الماهية أو هذا التعريف من الجهة اللفظي، ولم تتمحَّض من الجهة المعنوي.
v       بخلاف اعتبار النحويين فإنَّه تمحَّض من الجهة اللفظي؛ لأنَّهم قالوا: ما تركَّب من كلمتين فصاعدا أو فأكثر. نظروا إلى الجهة اللفظية فقط لماذا؟ لأنَّ علمهم في الألفاظ.
***
إذن انتهينا من القسم الثالث من أقسام المفرد. بقي القسم الرابع من أقسام المفرد وقد تكلَّمنا عليه في تعريف المركَّب وهو ما فُقِدت فيه الدلالة المقصودة أى: تحقَّقت فيه جميع القيود السابقة إلَّا أنَّه لم تتحقَّق فيه الدلالة المقصودة.
كما ذكرنا الحيوان الناطق علما على شخص. هذا قد ذكرناه في تعريف المركَّب، هذا وإن وُجِد له جزء هو الحيوان والناطق، وجزؤه يدل؛ الحيوان يدل على معنى والناطق يدل على معنى، وجزؤه يدل على جزء معناه؛ لأنَّ الحيوان يدل على الحيوانية في الشخص والناطق يدل على الناطقية في ماهية الشخص إلَّا أنَّ هذه الدلالة ليست مقصودة للمتكلِّم وإنَّما قصد بمجموع اللفظ –الشخص- ولا يقصد جزءه الذي هو الحيوان أو جزءه الذي هو الناطق.
ما الفرق بين هذا القسم والقسم الثالث؟ الفرق أنَّ القسم الثالث معنى جزء اللفظ ليس جزءا من المعنى الذي وُضِع له اللفظ بتمامه، فمعنى عبد ليس جزءا من معنى الشخص. بخلاف هذا (الحيوان الناطق) فمعنى جزء اللفظ جزء من المعنى الذي وُضع له اللفظ.
إذن القسم الأول فقد جزء اللفظ، والقسم الثاني تحقَّق فيه جزء اللفظ وفقد دلالة جزء اللفظ، والقسم الثالث تحقَّق فيه الجزء أى: للفظ جزء –بخلاف واو العطف- وجزؤه دال –بخلاف القسم الثاني فجزؤه ليس بدال-.
والقسم الرابع تحقَّق فيه الجزء فخالف واو العطف، وجزؤه دال فخالف القسم الثاني، ومعنى جزءه جزء من المعنى الذي وُضِع له اللفظ فخالف القسم الثالث، ودلالته ليست مقصودة فخرج عن المركَّب. فتبيَّن بهذا أنَّ المفرد له أربعة أقسام وأمَّا المركب فهو قسم واحد.
**
§          (لاحظ هذا). هناك لفظ، وهناك معنى لهذا اللفظ بتمامه، وهناك لهذا المعنى –الذي وُضِع له اللفظ بتمامه- أجزاء، وهناك جزء لهذا اللفظ، وهناك لهذا الجزء معنى. هذه كلُّها أمور ذكرنا في الكلام السابق.
§          لاشكَّ أنَّ اللفظ إذا أُطلِق انصرف إلى معناه –هذا انتهينا منه-؛ كلفظ عبد الله إذا أُطلِق وكان علما انصرف إلى الشخص، إذا كان وصفا انصرف إلى معنى الوصفية. ومعناه له أجزاء؛ كفي إرادة العلمية المعنى له أجزاء: الحيوانية والناطقية، وفي معنى الوصفية له أجزاء: ذات اتَّصفت بالعبودية للذات الواجب الوجود.
§          وهناك جزء للَّفظ مثلا في عبد الله؛ كعبد، ولفظ الجلالة. وهناك معنى للجزء؛ كمعنى عبد، ومعنى لفظ الجلالة. هذه الأشياء كلُّها لابدَّ من أخذها في الإعتبار.
§          عندما نقول: الحيوان الناطق علما، الحيوان الناطق لفظ، وله معنى هو الشخص. وللمعنى أجزاء: حيوانية وناطقية، وهذا اللفظ له جزء: الحيوان والناطق، وهذا الجزء وهو الحيوان فقط له معنى والناطق فقط له معنى. هنا في هذا اللفظ وهو الحيوان الناطق علما نقول: له جزء وجزؤه دلَّ على معنى وهذا المعنى جزء من المعنى الذي وُضِع له اللفظ الذي هو الشخص، إلَّا أنَّ هذا الجزء لم يقصده المتكلِّم؛ لأنَّه لم يقصد بالحيوان الناطق أن يُدلِّلَ على الأجزاء، بل قصد الدلالة على الشخص بمجموعه بقطع النظر هل هو حيوان الناطق، لا دخل لنا بهذا، هو اسمه حيوان ناطق فقط.
§          هنا في القسم الثالث في عبد الله نقول: عبد الله لفظ، له معنى، وللمعنى أجزاء، وللفظ جزء، وكل جزء من أجزاء اللفظ له معنى إلَّا أنَّ هذا المعنى ليس جزءا من المعنى الذي وُضِع له اللفظ. هذا كلُّها في العلمية، أمَّا إذا جئت للوصفية، الوصفية كلُّها من قبيل المُركَّبات، فالأوصاف كلُّها مركب والأعلام كلَّها مفردة. هذا في هذا الإصطلاح.
**
لاتمام الموضوع ولمزيد الفائدة اضغط موقع الشيخ في اليوتوب أو الفيس بوك...


[1]  الدرس السادس من شرح الشيخ حسام بن رمضا بن حافظ على شرح الشيخ الدمنهورى على السلّم المنورق في علم المنطق.

Comments

Popular posts from this blog

فصل في أنواع الدلالة الوضعية

https://www.facebook.com/dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنف والشارح رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين، آمين : ثُمَّ هذه الدلالة ثلاثة أقسام: مطابقية، وتضمنية، والتزامية. فالأولى: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له؛ كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق. والثانية: دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه؛ كدلالته على الحيوان أو الناطق في ضمن الحيوان الناطق. والثالثة دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له؛ كدلالته على قبول العلم، وصنعة الكتابة على ما فيه، وهذا معنى قوله: (( دلالة اللفظ ... )) البيتين. وسُمِّيت الأولى دلالة المطابقة لمطابقة الفهم للوضع اللغويّ؛ لأنَّ الواضع وضع اللفظ ليدلَّ على المعنى بتمامه، وقد فهمناه منه بتمامه. والثانية دلالة تضمّن؛ لأنَّ الجزء في ضمن الكل. والثالثة دلالة الإلتزام؛ لأنَّ المفهوم خارج عن المعنى لازم له. وقولُهُ: (( إن بعقل التزم )) . أشار به إلى أنَّ اللازم لابدَّ أن يكون لازمًا في الذهن. سواءٌ لازم مع ذلك في الخارج؛ كلزوم الزوجية للأربعة، أم لا؛ كلزوم البصر للعمى. وأمَّا إذا كان لازمًا في ال...

فصل في أنواع العلم الحادث

source: https://www.facebook.com/Dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنِّف والشارح رحمهما الله تعالى ونفعنا بعلومهما وعلوم شيخنا في الدارين آمين: إدراك مـفــــرد تـــصــــــوّر عـــلـمْ * ودرك نـســـبـة بـتـــصـديـق وســـمْ وقـــدّم الأوّل عـــنـــــد الـــوضـــعِ * لأنّـــه مــــقــــــدَّم بـــالـــطبــــــعِ والنـــظري مـــا احتـــاج للتـــأمّــــلِ * وعـكــسـه هـو الـضــروري الـجــلـِي ومـــا بـــه إلـــى تــصــــوّر وصــــلْ * يـدعــى بـقــول شـارح فـلــتـبــتـهـلْ ومـــا لـتــصـــديــق بــه تــوصـــــلا * بـحــجّــة يـعــرف عـنــد الـعــقــــلا أقول : لفظ (( *أنواع )) يخرج العلم القديم، فإنّه لا تنوّع فيه، فإتيانه بالحادث بعد ذلك تأكيدٌ وإيضاح للمبتدئ. و (( *العلم )) : معرفة المعلوم، ثمّ إنّه ينقسمُ إلى تصوّر، وإلى تصديق، وكل منهما إلى ضروري، وإلى نظريّ، فالأقسام أربعة. فإن كان إدراك معنى مفرد، فهو تصور: كإدراك معنى زيد. وإن كان إدراك وقوع نسبة، فهو تصديق:...

انقسام العلم إلى الضروري والنظري

source: https://www.facebook.com/Dar.alghazali بسم الله الرحمن الرحيم [1] قال المصنِّف رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه وعلوم شيخنا في الدارين آمين: إدراك مـفــــرد تـــصــــــوّر عـــلـمْ * ودرك نـســـبـة بـتـــصـديـق وســـمْ وقـــدّم الأوّل عـــنـــــد الـــوضـــعِ * لأنّـــه مــــقــــــدَّم بـــالـــطبــــــعِ والنـــظري مـــا احتـــاج للتـــأمّــــلِ * وعـكــسـه هـو الـضــروري الـجــلـِي ومـــا بـــه إلـــى تــصــــوّر وصــــلْ * يـدعــى بـقــول شـارح فـلــتـبــتـهـلْ ومـــا لـتــصـــديــق بــه تــوصـــــلا * بـحــجّــة يـعــرف عـنــد الـعــقــــلا *** بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين. أمَّا بعد: ذكرنا في المرَّة الماضية أنَّ العلم عند المناطقة يُعرَّف بالإدراك المطلق، وهو يشمل العلم المشهور الذي هو التصديق الجازم وهو العلم عند المتكلِّمين والأصوليِّ...